فمضى الرجل المختوم له إلى القاضى وأشعره ذلك. فغضب وضمّ ديوانه وأخذ كتاب تقليده ومضى إلى قصر الأمير زيادة الله فى نصف النهار. فوافق مرور الحاجب فسأله الإذن. فأخبره أنه لا يقدر على الاستئذان فى مثل هذه الساعة.
فمضى القاضى إلى باب القصر الذى للحرم فقرع الحلقة. فخرجت والدة الأمير من مقصورتها فزعة. فقيل لها: القاضى واقف بالباب يريد الإذن على الأمير.
فخرجت حتى أتت على الأمير وهو فى بعض المقاصير مختل مع جارية من جواريه. فحرّكت باب المقصورة. فقال الأمير: من؟ فقالت: الوالدة. فخرج إليها فزعا. فقالت له: القاضى بباب الحرم. فارتاع لذلك، وأذن له. وقصّ عليه قصّته ورمى سجله. وقال: اعفنى يعفو الله عنك ويجزل ثوابك. فكان جواب الأمير له برفق: لا تغضب أيها القاضى. واجلس حتى أريك ما أصنع.
قال: فخرج القاضى إلى قاعة الجلوس وتأخّر الأمير حتى اغتسل ثم خرج، وركب بنفسه، والقاضى يحاذيه وهو لا يدرى أين يتوجّه، حتى دخل من باب الربيع، ووقف على المسجد الذى يعرف بمسجد المفرعة. ثم قال للقاضى: أين الدار التى أمرت بختمها؟ فقال: هذه هى. فقال: اختمها أيها القاضى. فختمها، وختمها الأمير أيضا. وبلغ الوزير خبره فخرج من داره راجلا حتى أتاه.
فانتهره الأمير ووبخّه، وقال له فى بعض كلامه: والله لولا واجب صحبتك ما جعلت ختمه إلاّ على رأس الذى حلّه. فتبرأ الوزير من ذلك الرجل