فلم يبق بعد هذا أحد إلاّ خافهم، ولا بقى أحد يخافونه لقوّتهم وتمكّنهم فى البلاد.
وكان الذى أسعدهم فى ذلك الوقت تشاغل السلطان عنهم بفتن الخوارج من صاحب الزنج المقدّم ذكره فى الجزء الذى قبله المختصّ بذكر الخلفاء من بنى العباس الذى هذا الجزء تلوه.
وهو صاحب الزنج المدّعى أيضا أنه من ولد زيد بن على بن الحسين.
وكان أمره قد زاد وهو يومئذ بالبصرة، حتى عاد يعرف بعلوىّ البصرة وقصّر يد السلطان، وخرب العراق. وترك الخليفة الركوب، وتركب الأعراب من كل وجه، مع قلّة رغبة من يلى البلاد من العمّال فى تدبير الأمور والنظر بعين الصلاّح. فتمكن هؤلاء الدّعاة ومن تبعهم بهذا السبب.
فمكثوا على ذلك سنين. وقد كان رجل منهم يعرف بمهرويه من دعاتهم. وكان فى مبدأه ناطورا ينطر النخل. وكان يأخذ أجرته تمرا، فينزع منه النوى ويصّدّق به. ويأخذ النوى يبيعه ويتقوّت به. فعظم فى أعين الناس قدره، وصارت له مزية فى الثقة والدين، يريد بذلك تجمّع الناس عليه ليظهر بهم ويخدعهم بالدعوة الخبيثة.