فى أنفسهم حقد على أبى سعيد لقتل أبى زكريا الضمامى. واتفق لأبى سعيد أنّ البلد الذى قصده بلد واسع كثير الناس. ولهم عوائد بالحروب، وهم رجال شداد جهّال غفل القلوب، بعيدون من شريعة الإسلام ومعرفة نبوّة أو حلال أو حرام. فظفر بدعوته فى تلك الديار، ولم يناوئه مناوئ.
فتمّ أمره، وقاتل بمن أطاعه من عصاه، حتى اشتدّت شوكته جدا.
وكان لا يظفر بقرية إلاّ قتل أهلها ونهبها. فهابه الناس، وأجابه كثير منهم طلبا للسّلم، ورحل من البلد خلق كثير إلى نواحى مختلفة، ولم تمتنع عليه إلاّ هجر، وهى مدينة البحرين، ومحلّ سلطانها. فقاتل أهلها ونازلها شهورا. فلما طال عليه أمرها ابتنى بالأحساء دارا، وبينها وبين هجر ميلان، واتخذها منزلا. وأجابه كثير من العرب كبنى الأضبط ابن كلاب، لأنّ عشيرتهم كانوا أصابوا فيهم دما، فساروا إليه بحريمهم وأموالهم فنزلوا الأحسآء، وأطمعوه فى بنى كلاب وسائر من بقربهم من الأعراب، وطلبوا منه أن يضمّ إليهم رجالا من قبله. ففعل ذلك، ولقوابهم عشيرتهم، فاقتتلوا، فهزمتهم القرامطة وأخذوا الحريم والأموال وعادوا إلى الأحسآء. فاضطّر المغلوبين إلى أن دخلوا فى طاعته. ثم إنه وجّه بجيش آخر إلى بنى عقيل فظفر بهم. فدخلوا أيضا فى طاعته. فملك سائر تلك البلاد، وجمع من أولاد (ص ٤٠) الأعراب من لم يبلغ أربع سنين، وجعلهم فى دور، وأقام عليهم قوما يقومون بجميع مصالحهم، ووسم جميعهم على الخدود لئلاّ يختلطون بغيرهم، وعرّف عليهم عرفاء، وشرع فى تعليمهم