الفروسية، فنشّئوا لا يعرفون غيره، وغير دعوته طبعا لهم. وقبض الأموال من جميع تلك النواحى والثمار والغلال، ورتّب الرّعاة فى الإبل والمواشى، ورتّب قوما لحفظها.
ثم تفرّغ لهجر وحاصرها، حتى بلغ بهم الجهد، وأكلوا السنانير والكلاب. وكان حصارهم يزيد على عشرين شهرا. وآخر أمرهم أنه عمل الحيلة حتى قطع عنهم الماء الواصلة إليهم فى حديث طويل. فلما انقطع عنهم المياه أيقنوا بالهلاك، فهرب بعضهم نحو البحر فركبوه إلى الجزيرة وإلى سيراف وغيرهما. ودخل قوم منها فى دعوته فنقلهم إلى الأحسآء. ثم إنّه أخربها دكّا فهى إلى الآن خراب. وعادت الأحسآء مدينة البحرين.
واتصلت أخباره بالمعتضد بالله أمير المؤمنين، وعظم ما ركبه. فأنفذ العبّاس بن عمرو الغنوى فى ألفى رجل وولاّه البحرين. فورد البصرة وخرج منها نحو هجر، وبينهما بضع عشرة ليلة فى فلاة مقفرة، وذلك فى سنة تسع وثمانين ومئتين، وتبعه من مطوّعة البصرة نحو من ثلاث مئة رجل من بنى ضبّة وغيرهم. وعرف أبو سعيد خبره فسار نحوه. وقدّم قدّامه مقدمة. فكانت بينهم حملات إلى أن حجز الظلام بينهم، فانصرفوا على سوآء. فلما جاء الليل انصرفت مطوّعة البصرة ومن معهم من بنى ضبّة. فانكسرت قلوب جيش السلطان. وأصبحوا فالتقوا،