للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الجنّ فى الأرض بعثه الله فى طائفة من الملائكة فطردوهم إلى الجزائر وأطراف الجبال، فاغترّ فى نفسه وقال: من مثلى؟ ولم يسجد لآدم فمسخه الله شيطانا.

قلت: (١) وظاهر الآيات تقتضى التعارض فينبغى التوقّف، قال ابن الجوزى:

وقد قال: خلقتنى من نار وخلقته من طين، وإذا كان مخلوقا فى الأصل من النار فكيف يخلق من النور لأنّ الملائكة خلقوا من نور لما ذكرنا من قبل.

وذكر أبو جعفر الطبرى رحمه الله فى تأريخه الكبير (٢) الذى اعتماد أهل عصرنا عليه لثقته وفضله وتأييده فى هذا الفصل إنّ إبليس بعث حاكما فى الأرض يقضى بين الجنّ ألف سنة ثم عرج إلى السماء فأقام يتعبّد الله عزّ وجلّ حتى خلق الله آدم عليه السلام.

وقال شهر بن حوشب: كان إبليس من الجنّ الذين يعملون فى الأرض بالفساد، فأسره بعض الملائكة فذهب به إلى السماء، قلت: وهذا الوجه ضعيف جدّا لم أجد أحد من علماء السير وافقه عليه.

وقال قتادة فى تفسير قوله تعالى: {فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ»}، أى: خرج عن طاعته، والفسق الخروج من قولهم: فسقت الرطبة إذا خرجت من قشرها.

وقال عبد الله بن أحمد بإسناده إلى ثابت البنانى قال: بلغنا أنّ إبليس ظهر ليحيى عليه السلام فرأى عليه معاليق من كلّ شئ، فقال له: ويحك ما هذه المعاليق؟ فقال: الشهوات التى أصيب بها بنى آدم! قال: فهل لى فيها شئ؟ قال: ربّما شبعت فتنقّلت فى الصلاة وتغلب على الذكر، فقال يحيى: فلله علىّ لا أملأ بطنى من طعام أبدا، فقال إبليس: ولله علىّ أن لا أفصح مسلما قطّ، وفى رواية: بشرا قطّ.

وبه قال عبد الله بن أحمد بإسناده عن ابن عبّاس، قال: كان إبليس يأتى (٢١٩) يحيى بن زكريا طمعا أن يفتنه وعرف ذلك يحيى منه، وكان يأتيه فى


(١) قلت: سبط بن الجوزى
(٢) تأريخ الطبرى ١/ ٨٥،١٣