خفيّة لم يصل إليها. فتطّلع نفسه إلى معرفة بيان ما قال. فربّما وصل أمره مع من يجالسه واحدا كان أو جماعة بشئ من معانى القرآن، وذكر شرائع الدين من تأويل وتنزيل وكلام لا يشكّ المسلم العارف فى حقيقته، ويوهم المستمعين منه أنه قد ظفر بعلم، لو صادف له مسمعا لكان ناجيا منتفعا. ويقرّر عندهم أن الآفة التى نزلت بالأمة وحيرت؟ (ص ٦٨) فى الديانة وشتّت الكلمة وأورثت الأهواء المضلة ذهاب الناس عن أئمة نصبوا لهم وأقيموا حافظين لشرائعهم، يؤدّونها على حقائقها ويحفظون عليهم معانيها وبواطنها، وأنهم لما عدلوا عنهم ونظروا من تلقآء عقولهم، واتباعهم لما حسن فى رأيهم وسمعوه من أسلافهم وعلمائهم، تباع الملوك فى طلب الدنيا وحاملى العنا ومتبعى الإثم وأحشاد الظلمة وأعوان الفسقة، الطالبين العاجلة، والمجتهدين فى الرياسة على الضعفاء، ومن عاند رسول الله صلى الله عليه وسلّم فى أمته، وغيّر كتابه، وبدّل سنته، وقتل عترته، وخالف دعوته، وأفسد شريعته، وسلك بالناس غير طريقته، وعاند الخلفاء من بعده، وخلط بين حقه وباطل غيره، فتحيّر وحيّر من قبل منه، وصار الناس إلى أنواع الضلالات به وبأتباعه.
وقالوا لهم حينئذ كالنصحاء الحكماء: إنّ دين محمد صلّى الله عليه وسلّم لم يأت بالتحلّى ولا بالتمرّى، ولا بأمانى الرجال ولا شهوات الخلق،