إنّما هى سمكة كان فى أجلها بعد بقيّة فنجت، فقال: كيف سمكة؟ فقال: هذه من نسانس الماء شربتها البارحة من صيّادها بخمس كراديخ يعنى خمس الدراهم لأطعمك هى شواء، ثم كشف عن ما أحضره وقال: بسم الله وناولنى معصم بكفّ قد طبخ فى ذلك الطعام مع بقيّته، فقلت: أعوذ بالله ما هذا؟ قال: فزاد ضحك الرجل وقال: كل وطيب نفسك فإنّه مأكول لذيذ وسمك جيّد وليس لأهل هذه البلاد مأكولا أفخر منه، قال: فأبيت فأحضر إلىّ من غير ذلك فأكلت وعدت أكرّر عليه السؤال فقال: إلى نهار الغد إن شاء الله أريك عجبا تصدق القول فيه.
قال: فلمّا كان الثلث الأخير من الليل أحضر لى دابّة وركب (٢٣٣) أخرى وخرجنا إلى ظاهر المدينة وصحبتنا جماعة من أهل الرجل وعلى أيديهم كلاب كالأسود فظهر لنا ثلاثة نسانس شابّين وكهل فأطلقوا عليهم الكلاب فأدركوا الكهل وفاتوهم الشباب، قال: فلمّا أدركوا الكلاب الكهل وعادوا يراوغونه سمعت الكهل ينوح وينشد:
يا ما مرّ لى يا ما قد دهانى ... قد غدر بى دهرى ورمانى زمانى
آف لدهرى كيف عادانى ... من بعد ما كنت منه فى أمان
لو كنت شابّا لما أدركتمانى ... ولكن لسنى وشيبى إلى علانى
آه من فرقتى لصحبى وخلانى ... ومراتعى ومرابعى وقيعانى
قال: ثم أدركوه الكلاب وبطحوه ولحقوه القوم وذبحوه.
ثم سرنا غير بعيد فظهر لنا رجل وامرأة ومعهما صغيرة تقدير سباعيّة العمر، قال: فأدركوا الصغيرة فأخذوها ونجا الرجل والمرأة، قال: فعادت المرأة تنظر إلى ولدها الصغيرة وتبكى وتولول والصغيرة أيضا كذلك، قال: فكدت