يأكل الضر وكثير فسمن لذلك، ففهمّهم مكانه ونمّ على نفسه حتى أخذوه وذبحوه، فقال بعض القوم: ما أحمر دمه! فأجابه آخر من النسانس مختف أيضا وقال: كان يأكل السمّاق كثير، فنبّه أيضا على نفسه فأخذوه وذبحوه، فقال آخر من النسانس: لو كان سكت ما علموا بمكانه، فصادوا الآخر فناداهم آخر منهم: أنا والله ساكت ما أعلّمكم بمكانى! فأخذوا الآخر.
قلت: أمّا النسانس فقد ذكروهم جماعة من الناس والمسافرين وذكروا أنّ فيهم بريّا وبحريّا وقد ذكرهم ابن زولاق رحمه الله فى تأريخه، وقال: إنّ النسانس شبيه بالإنسان يكمل بسائر أعضائه غير أنّ ركبتيه مسح وهو أشدّ (٢٣٢) عدوا من الغزال، وذكر أنّ رجلا من التجّار سفّارا ورد إلى بلاد هى بلاد النسانس البحريّة والبريّة، فاستضاف برجل من أهل المدينة، ودار الرجل مطّلعة على البحر، قال: فنزل الضيف فى علّيّة مطلّة على البحر، ونزل صاحب المنزل فى حاجته، قال: فسمع الضيف من صدر العلّيّة كلاما يقول: يا سيدى ارحمنى لله تعالى وافتح علىّ هذا الباب! قال: فنهط (١) ذلك الرجل وفتح باب مغلق فخرجت منه جارية عريانة الجسد فخرّت نفسها من طاق مطلّ على البحر فغاصت ولم تظهر، قال: فحزن ذلك الرجل الضيف وندم ندما عظيما وقال فى نفسه:
هذه جارية هذا الرجل وقد كان محترزا عليها فما ألجأنى إلى التعرّض وفتحى لها الباب حتى أهلكت نفسها، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون، فبينا هو كذلك إذ طلع صاحب المنزل بالغداء للضيف فوجده كئيبا فسأله عن أمره فقصّ عليه الأمر وقال: معذرة إليك يا أخى! وها مالى بين يديك خذ منها ما شئت! قال: يقول ذلك والرجل صاحب المنزل يتبسّم منه وقال: يا أخى خفّف عليك