ولنعود إلى حكاية ابن هانى مع جعفر ملك الزاب. وكان لجعفر وزير يحسد من يقرب منه من أهل الفضل البارع. فعلم ابن هانى أنه إن علم بمقدار فضله حجبه أو أبعده قبل الوصول إليه. فاحتال أن لبس ثياب البداة الجفاة والتفّ فى كسائه وأخذ فى يده كتف دابة باليا وكتب متمسخرا:
الليل ليل والنهار نهار ... والبغل بغل والحمار حمار
والديك ديك والدجاجة زوجه ... وكلاهما طير له منقار
ووقف على باب الوزير واستأذن أحد الحجاب وقال: قل للوزير شاعر قد جاء بقصيدة للملك. فقال: وأين قصيدتك؟ قال: تراها فى هذا العظم. فضحك الخادم من زيّه، وأطرف بذلك الوزير فقال:
ما نطرف الملك بشئ مثل هذا. وأحضره وسمع شعره. فكاد يغشى عليه من الضحك. وأعلم به جعفرا. فقال: أدركنا به. فأدخله ووقف لينشد ما فى العظم. فأنشد هذه القصيدة الفائيّة المقدّم ذكرها من صدره.
فبهت جعفر وكلّ من حضر. وكان مجلس جعفر محشورا من ولد سام وحام، فإنّ المنهل العذب كثير الزحام. فلما وصل إلى أوّل بيت من مخلصها لم يصبر عليه جعفر حتى (ص ١٥٥) قال له: بحياتى