التى يعرف بها الإله أنا، فلو صحبتنى بلغت المنى، أنا جارك وما تعرفنى وبازائك ولا تألفنى، فلو تلفّفت عنّى سلمت من التغنّى. ولقد علم الفطناء أن نصحى يصحّى، فقلت: أنا شاكر للفكر إذ دلّنى، فعلم فعلى فعلنى.
فقال: إنّ الخالق سبحانه قد ظهر لخلقه بحقّه، غير أنّ عالم الحسّ لا يرونه (١٨) وإن كانت الحسّيّات دليلا عليه، ومعبرا إليه، انظر إليك ويكفى وتأمّل ما لديك ويشفى تلمح قطرة قطرة ماء صبّت عن اتّقاد نار الشهوة كيف ظهرت فيها عن حركات اللذّة، وقوم نقوش عقدتها يد القدرة، كما تظهر الصورة فى ثوب السقلاطون عن حركات الشدّ، تدبّر نطفة مغموسة فى دم الحيض ونقّاش القدرة يشقّ سمعها وبصرها من غير مساس كفّ، تربّى فى حرز مصون عن مشعب بينا هى ترفل فى ثوب نطفة، اكتسب برداء علقة، ثم اكتسبت صفة مضغة، ثم انقسمت إلى لحم وعظم، فاستترت من يد الأذى بوقاية جلد، فلمّا افتقرت أيّها الآدمى إلى الغذاء فى البطن ساق إليك من دم الحيض وهو من دم الأمّ.
فلمّا قوى جلد جلدك على مباشرة الهواء وبصرك على ملاقاة الأضواء أخرجك بما أزعجك، ثم صرّف ما كنت تغتذى به إلى التديين بعد أن أحاله لبنا عن صفة الدمويّة إلى حالة اللبنيّة، فلما عطشت عند الخروج إلى فلاة الدنيا رأيت أدواتى الثديين ممتليين لشربك، وكانت عمور الأسنان تكفى فى اجتذاب المشروب فكلّما اعتصرته خرج مغربلا لئلاّ يقع شرق.
فلمّا قويت المعاء وافتقرت إلى غذاء فيه صلابة أنبتت الأسنان للقطع والأضراس للطحن، فكم من صوت بين أرجل هذه النقل من تحريك جلاجل العبر فى خلاخل الفكر، كلما رنّت غنّت السن الهدى فى معانى المعانى وكيف تسمع أطروس السقوة.