الصّليحى بكتبه وعلومه، ورسخ فى ذهن علىّ من كلامه ما رسخ، وعكف على الدرس والاشتغال. وكان ذكّيا حاذقا، فلم يبلغ الحلم حتى تضلّع من معارفه التى بلغ بها وبالجدّ السعيد غاية الأمل. فكان فقيها فى مذهب الدولة الإماميّة مستبصرا فى علم التأويل، ثم إنه صار يحجّ بالناس دليلا على طريق السّراة والطائف، فأقام كذلك خمس عشرة سنة. وكان الناس يقولون له: بلغنا أنك ستملك اليمن بأسره، ويكون لك شأن عظيم، فيكره ذلك وينكره على قائله، مع أنّه أمر قد شاع وذاع فى الناس وكثر على أفواه العالم.
ولما كان فى سنة تسع وعشرين وأربع مئة ثار فى رأس مشار وهو أعلى ذروة تلك الجبال. وكان معه ستون رجلا قد حالفهم بمكّة فى موسم سنة ثمان وعشرين وأربع مئة على الموت، والقيام بالدعوة، وما منهم إلاّ من هو فى منعة من قومه وعشائره، وفى عدد جيّد.
ولم يكن ثمّ برأس الجبل المذكور قلعة ولا ما يمنع. فلما ملك الذروة لم ينتصف النهار الذى ملكها فيه حتى أحاط به عشرون ألف ضارب سيف وحصروه وشتموه وسفّهوا عليه وسفهوا رأيه [وقالوا له]: تنزل طوعا وإلاّ قتلناك ومن معك جوعا وعطشا. فقال لهم: لم أفعل ذلك إلاّ خوفا علينا وعليكم أن يملكه غيرنا. فإنّ تركتمونى أحرسه وإلاّ نزلت. (ص ٢٣٨) فانصرفوا عنه. ولم يمض شهران من ذلك