التاريخ حتى بناه وحصّنه وأتقنه، واستفحل أمره شيئا فشيئا. وكان يدعو للمستنصر خليفة مصر فى الخفية، ويخاف من صاحب تهامة المسمّى نجاح. فكان يلاطفه ويستكين لأمره. وفى الباطن يعمل الحيلة فى قتله. فلم يزل حتى قتله بالسم مع جارية جميلة كان أهداها له. وذلك فى سنة اثنتين وخمسين وأربع مئة بالكدراء.
وفى سنة ثلاث وخمسين كتب الصّليحىّ إلى المستنصر بمصر يستأذنه فى إظهار الدعوة. فأذن له، فطوى البلاد طيّا، وفتح الحصون والتهائم، ولم تخرج سنة خمس وخمسين حتى ملك اليمن بأسره سهله ووعره، بره وبحره. وهذا أمر لم يعهد مثله فى جاهليّة ولا إسلام، حتى قال يوما وهو يخطب الناس فى جامع الجند: وفى مثل هذا اليوم نخطب على منبر عدن إن شاء الله تعالى. ولم يكن ملكها بعد. فقال رجل ممن حضر مستهترا: سبّوح قدّوس. فأمر بالحوطة عليه. وساعدت الصليحى المقادير فخطب تلك الجمعة بجامع عدن وهى الجمعة التى ذكرها. فقام ذلك الرجل وتغالى فى القول وأخذ البيعة على نفسه ودخل المذهب.
ومن سنة خمس وخمسين استقرّ حاله فى صنعاء. وأخذ معه ملوك اليمن الذين أزال ممالكهم وأسكنهم معه فى صنعاء. وولّى فى الحصون غيرهم، واختطّ بمدينة صنعاء عدّة قصور، فوزنت له زوجته أسماء