وكانت الوقعة بين الأفضل وأفتكين ونزار على شابور، وكسرهم الأفضل، وقتل منهم مقتلة عظيمة حسبما سقناه، ثم توجّه إلى الإسكندريّة وحاصرها، ولم يزل حتى افتتحها، وأخذ نزارا والأفتكين أسرى، ثم قتل فى الإسكندريّة جماعة من وجوه قومها ممن أقاموا بيعة نزار، ومن جملتهم القاضى ابن عمّار. وكان هذا القاضى (ص ٢٥٤) ابن عمّار قاضى الإسكندرية ورئيسها، وكان بينه وبين قوم عدول من أهل الإسكندرية يعرفوا بينى هريسة منازعة فى الباطن. وكان بين بنى هريسة وبين الأفضل أمير الجيوش وصلة، وكانوا يكاتبونه بأخبار البلد عند ما كانت فى يد نزار والأفتكين. فلما دخل الأفضل إلى الإسكندريّة وشوا بنو هريسة بالقاضى ابن عمّار عند الأفضل، حتى قتله مع من قتل، بعد ما قبض عليه واعتقله. وكان هذا القاضى ابن عمّار حسن السيرة، ونادرة الوقت، ولما أخذ وسجن دخل عليه بعض العدول زائرا، وكان ذلك العدل خصيصا بالأفضل، فدفع إليه القاضى ابن عمّار رقعة فيها بيتين من الشعر لنفسه يقول:
هل أنت منقذ شلوى من يدى زمن ... أضحى يقدّ أديمى قدّ منتهس
دعوتك الدعوة الأولى وبى رمق ... وهذه دعوتى والدهر مفترسى