للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مصر أولا. وهكذا تعرضت مصر فى أواخر العصر الأيوبى-أعنى فى النصف الأول من القرن الثالث عشر للميلاد-لحملتين صليبيتين كبيرتين، ارتبط بهما كثير من الأحداث التى ميزت تاريخ الشرق الأدنى فى عصر الأيوبيين.

فإذا أضفنا إلى ذلك التيارات الأخرى الخارجية التى أثرت فى تاريخ المنطقة فى ذلك العصر، مثل تفكك الدولة الخوارزمية، وظهور خطر المغول أو التتار فى المشرق، وما صحب هذا وذاك من ردود فعل حضارية وسياسية واسعة الأصداء-وخاصة فى مصر والشام-أدركنا بعض الأهمية التى لعصر الأيوبيين فى تاريخ الشرق الأدنى.

ففى ذلك العصر انسابت كثير من العناصر-وخاصة من الأكراد والأتراك والتركمان- داخل المحيط العربى الكبير فى مصر والشام، لتترك آثار بصماتها واضحة فى التركيب الاجتماعى والتكوين البشرى والجنسى والبناء الحضارى، وخاصة ما يرتبط بالنظم واللغة والعادات والتقاليد. وحسب عصر الأيوبيين أن مصر والشام شهدتا فيه انتشار النظام الإقطاعى الحربى، والتوسع فى استخدام الرقيق الأبيض الذين عرفوا باسم المماليك، ثم ظهور كثير من الألفاظ والمصطلحات غير العربية لتصبح شائعة الاستعمال، لا عند العامة فحسب، بل أيضا عند الخاصة من العلماء والكتاب والمؤلفين، فضلا عن الحكام. وهذه كلها ظواهر أخذت تنمو ويشتد خطرها طوال العصر الأيوبى، حتى اكتملت صورتها مع قيام دولة المماليك، التى خلفت دولة الأيوبيين فى حكم مصر والشام.

(٢)

ومن داخل إطار هذه الصورة المبسطة تبدو الأهمية الخطيرة للحقبة التى يعالجها هذا الجزء السابع من تاريخ كنز الدرر لابن أيبك. ويزيد من هذه الأهمية أن ابن أيبك لم يكن مؤرخا عاديا، اقتصر فى كتابه على الجمع والتلخيص والنقل عمن سبقه من المؤرخين؛ وإنما انتمى ابن أيبك إلى أسرة كان لها من مسؤلية المشاركة فى صنع الأحداث المعاصرة نصيب مرموق. فإذا أضفنا إلى السنوات التى عاشها مؤلف هذا