والبعد عن ذكر التفريعات الثانوية التى تتصف بها حوليات العصور الوسطى بوجه عام. وقد توخى المؤلف هذا النهج فى كتابة التاريخ متعمدا، فيقول عن بعض الأحداث «أضربت عنه لطوله، وكون تاريخنا تاريخ تلخيص». كذلك نراه يحرص على عدم تكرار بعض الأحداث فيقول «. . . بعد عدة وقائع قد تقدمت أخبارها بحكم التلخيص».
على أننا لا يمكن أن ننزع ابن أيبك من العصر الذى عاش فيه فعلا، وهو عصر اتصفت عقليته بحب الاستطراد فى الكلام والكتابة. وكان المعاصرون يرون فى هذا الاستطراد نوعا من التنويع لزيادة الفائدة من ناحية والترويح عن المستمع والقارئ ودفع السأم عنهما من ناحية أخرى. ولذا نجد المؤلف فى بعض أجزاء كتابه يجنح أحيانا إلى الاستطراد، بل ربما انتقل من فن التاريخ إلى فن الأدب، مثلما حدث فى ترجمته للقاضى الفاضل فى حوادث سنة ٥٩٦ هـ، إذا لم يكتف بذكر فقرات من بليغ أدبه، وإنما ساقته المعانى إلى ذكر بعض محفوظاته-محفوظات المؤلف نفسه-من الشعر الرقيق. وعند ما يتنبه المؤلف إلى أنه خرج عن الموضوع واستسلم للاستطراد، يبرر سلوكه بأنه فعل ذلك متعمدا «لتنشيط القارئ، ولا يمل ويسأم من فن واحد، فإذا خرج به شجون الحديث من فن إلى فن كان لزناد فكرته أقدح، ولطير نظرته أصدح. . .»!!. على أن ابن أيبك لم يستسغ فى قرارة نفسه هذا الاستطراد الذى وقع فيه أحيانا، فكان يعلن بسرعة عودته «إلى سياقة التاريخ بمعونة الله وحسن توفيقه». وربما أحسّ أنه باستطراده قد وقع فى خطأ فعلا، فيعترف بالخطأ الذى وقع فيه، ويستغفر الله منه، ويقولها فى صراحة «وقد خرج بنا الكلام وشجونه عن شرط الاختصار، وأنا أقول استغفر الله من ذلك!!».