للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالتواضع الشديد، وعدم الاستبداد بالرأى، والاعتراف بعدم تثبته أحيانا من بعض البيانات. فهو مثلا فى حوادث سنة ٥٩١ هـ‍ يقول إن العادل عاد إلى دمشق «وخلف بعض أولاده بالشرق، لا أعلم أيهم كان». وهو عندما يشير إلى واقعة حطين يفعل ذلك ضمن أحداث سنة ٥٦٨ هـ‍، ولكنه يذكر أن ابن واصل قال إن هذه الواقعة حدثت سنة ٥٨٣ هـ‍، ويؤيد رأى ابن واصل قائلا «وأقول إنه الصحيح». ويعلل ابن أيبك ذلك بأن المصدر الذى نقل عنه أخبار تلك الواقعة-وهو أبو المظفر جمال الدين يوسف-اتبع طريقة رواية الأحداث والوقائع متكاملة لا مجزأة وفق السنوات التى استغرقتها، بحيث يذكر الواقعة «واستمر على ذكرها هل يكون فى سنيها أو غير سنيها». أما ابن واصل فقد اتبع أسلوب تتابع السنين، بحيث لا يذكر فى السنة الواحدة إلا ماتم فيها من أحداث، ولذا «فالرجوع إليه فى وقائع السنين أولى من غيره. . .».

وهكذا يبدو لنا أنه إذا كان البعض قد أخذ على كتاب كنز الدرر لابن أيبك بعض المآخذ، كالاستطراد حينا، والإيجاز الشديد أحيانا؛ فضلا عن ركاكة الأسلوب وكثرة الأخطاء اللغوية. . . فإن هذا كله لا ينبغى أن يصرفنا عن مزايا هذا الكتاب ومحاسنه، بوصفه مصدرا هاما من مصادر الحقبة الزمنية التى تصدى لعلاجها. هذا إلى أننا فى حكمنا على أى عمل تاريخى ينبغى ألا ننظر إليه بأعين العصر الذى نعيش نحن فيه، ولا نحكم عليه بمقاييسنا ومثلنا ومستوياتنا نحن؛ وإنما تتطلب العدالة أن تقيّم هذا العمل أو ذاك فى ضوء المثل والمقاييس والمستويات التى سادت العصر الذى تم فيه إنجاز ذلك العمل فعلا. ولا يخفى علينا أن ابن أيبك عاش وكتب فى عصر شهد زحف الأعاجم على الوطن العربى فى الشرق الأدنى وتغلغلهم فيه وبسط سيادتهم عليه. . . ونجم عن هذا كله زحف كثير من عادات الترك والتتار وغيرهم من شعوب المشرق، وانتشار عديد من نظمهم وتقاليدهم فى العراق والشام ومصر بوجه خاص، وانسياب كثير من ألفاظهم المستغربة فى هذه البلاد، حتى غدت مألوفة الاستعمال فى الحياة اليومية عند العامة والخاصة سواء، بحيث صار