للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا يخلو منها كتاب أو مصدر أو موسوعة مما تم تأليفه بالعربية فى ذلك العصر. وعلى هذا فإن ابن أيبك-فيما ظنه البعض مخطئا-لم يكن فى حقيقة أمره إلا قطعة من العصر الذى عاش فيه، وكتب بروحه، وتأثر بأوضاعه واتجاهاته. وحسب ابن أيبك أنه استطاع أن يقدم لنا فى كتابه كنز الدرر الكثير من المعلومات الجيدة الحبك التى لا تخلو من جديد وطريف.

(٤)

وإذا كان لى أن أختار صفة نصف بها ابن أيبك فى الأجزاء الأخيرة من كتابه «كنز الدرر وجامع الغرر»؛ فإننى لا أجد أفضل من أن أصفه بأنه «مؤرخ النيل».

قد يقول البعض بأن هذه الصفة ليست من خصائص ابن أيبك وحده فى كتابه كنز الدرر، وإنما يشاركه فيها ابن تغرى بردى، المؤرخ الذى عاش فى القرن التاسع الهجرى (ت ٨٧٤ هـ‍) والذى عنى هو الآخر عناية فائقة بذكر أمر النيل فى كل سنة من سنوات حوليته الشهيرة «النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة». ولكن علينا هنا أن نضع أمام أعيننا اعتبارين هامين: أولهما أن ابن أيبك عاش وكتب فى عصر يتقدم من الناحية الزمنية العصر الذى عاش وكتب فيه المؤرخ ابن تغرى بردى، مما يجعل ابن أيبك فى هذه الناحية مبتكرا ورائدا لا مقلدا ومحاكيا. هذا مع عدم استطاعتنا أن ننفى أن يكون هناك من المؤرخين والمؤلفين من سبق ابن أيبك زمنيا فى العناية بذكر أمر النيل فى كل سنة من السنوات التى تصدى لعلاج تاريخها.

ولكننا فيما نعلمه-وفوق كل ذى علم عليم-لم نتوصل إلى أحد قبل ابن أيبك استن هذه القاعدة فى العناية بذكر أمر نهر النيل سنة بعد أخرى. أما الاعتبار الثانى الذى يميز ابن أيبك عن ابن تغرى بردى فى هذا الصدد فهو أن ابن أيبك جعل للنيل مكان الصدارة فى أحداث كل سنة من حولياته، فى حين جعل ابن تغرى بردى للنيل مكان الخاتمة أو الذيل. ويبدو لنا فى هذا الجزء السابع من كتاب كنز الدرر كيف حرص ابن أيبك على أن يستهل أحداث كل سنة بعنوان ثابت لا يحيد عنه، هو: «النيل المبارك فى هذه السنة». فى حين ينهى ابن تغرى بردى فى حولياته «النجوم