الزاهرة» حوادث كل سنة بذكر من توفى فيها من الأعيان ثم يختتمها بعنوان جانبى نصه «أمر النيل فى هذه السنة».
وهكذا أدرك ابن أيبك أن نهر النيل «مبارك» وأن الوقوف على حال فيضانه هو المفتاح لدراسة أحوال مصر وأهلها، ولذا يبدأ بذكر أمر الفيضان. وفى ضوء وضع النيل والفيضان يمكن تفسير ما ألمّ بالبلاد والعباد فى هذه السنة أو تلك من أحداث اقتصادية واجتماعية وسياسية. حقيقة إنه قد يؤخذ على ابن أيبك عدم دقته أحيانا عند تسجيل مدى الماء القديم فى النيل، ومقدار زيادة ماء الفيضان؛ ولكننا مرة أخرى نكرر ما سبق أن ذكرناه من أنه علينا قبل أن نحكم على عمل من أعمال التاريخ أن نقدر ظروف العصر الذى تم فيه ذلك العمل، ومدى إمكانيات المؤلف، والمصادر التى كان عليه أن يستقى منها معلوماته. . . إلى غير ذلك من الاعتبارات العديدة التى لا يقدرها حق قدرها إلا المؤرخ الذى يتمتع بحاسة تاريخية نفّاذة.
(٥)
وأخيرا، فإنه لا يسعنى بالنيابة عن جميع المشتغلين فى حقل تاريخ العصور الوسطى سوى أن أشكر المعهد الألمانى للآثار بالقاهرة لعنايته-وعناية القائمين على أمره-بنشر هذا الكتاب، كتاب كنز الدرر وجامع الغرر لأبى بكر بن عبد الله بن أيبك الدوادارى، والحرص على إخراجه فى هذه الصورة السليمة المتكاملة التى تم إخراجه فيها فعلا.
وأرجو أن أكون قد وفقت فى النهوض بنصيبى فى هذا العمل العلمى الجليل، بتحقيق الجزء السابع من هذا الكتاب، وهو الجزء الذى أتشرف بتقديمه اليوم للباحثين، لنضيف به لبنة جديدة إلى صرح بناء حركة إحياء التراث العربى.
والله ولى التوفيق.
سعيد عبد الفتاح عاشور
أستاذ كرسى تاريخ العصور الوسطى كلية الآداب-جامعة القاهرة