للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نور الدين كسرة عظيمة، وقتل منهم ما لا يحصى كثرة، وأسر منهم ثلاثين ألف نفرا، وأخذ جميع ملوكهم، وتسلّم حارم وبانياس. وكانت الفرنج فى خلق عظيم، فيهم القمص صاحب أنطاكية، والبرنس صاحب طرابلس، وابن جوسلين.

فلما التقى الجمعان، صعد نور الدين على تل عال، وشاهد من الفرنج ما هاله وأذهله من كثرتهم، فترك القتال وانفرد عن العسكر، وصلى ركعتين، ومرّغ وجهه على الأرض وهو يقول: «يا سيدى! الجيش جيشك! والدين دينك! ومن هو محمود! افعل أنت ما تريد». هذا والفرنج قد حملوا على المسلمين حملة منكرة. وكانت الحملة على الميمنة، وفيها عسكر حلب، فاندفعوا بين أيديهم، فنزل إليهم نور الدين وقد كشف رأسه، وصاح: «وا إسلاماه! العودة! العودة! بارك الله فيكم». فكأنما أوقع الله تعالى صوته فى آذان سائر الجيش، فكرّوا على الفرنج كرة رجل واحد، فتقهقرت الفرنج لها الخيالة منهم، فوقع السيف فى الرجالة، فحصدوهم حصدا. فلما رأى الخيالة ذلك، ولوا منهزمين، فأخذهم السيف من كل مكان، ولم ينج منهم إلا صاحب الفرس السابق. واستأسر منهم عدة ما قد ذكرناه، فأخذ عنهم الفداء، فكان جملته ستمائة ألف وستون ألف ذهب عين. فكان نور الدين بعد ذلك يحلف أن جميع ما بناه من البيمارستان والمدارس وجميع وقوفاتهم من ذلك الفداء.