ووقع الصلح بينهم إلى وقت معين، بشرط أن المسافرين يسافروا والقفول لا تنقطع، والتجار لا تتعوق من الشام إلى مصر، والخفر على الإفرنج. فاتفق أن صاحب الكرك شرب ذات ليلة وسكر، وأمر الخيالة أن تنزل تقطع الطريق على المسافرين من المسلمين، فركبت الخيالة ومعهم الرجالة، ونزلوا، فأخذوا خلقا كثيرا من التجار والتركمان والفقراء والمسافرين. فلما بلغ السلطان صلاح الدين ذلك عظم عليه، وأنذر لله-عز وجل-إن ظفره الله تعالى بصاحب الكرك ذبحه بيده، تقربا إلى الله بدمه، وأن يجعل حجارة قلعته على الأرض. ثم نفذ إلى سائر ملوك الإسلام، يحثهم على الغزاة، فجاءه الناس من كل فج عميق.
وقدح زند الحرب، وانتدب للطعن والضرب. وخرج بنية صادقة، وقلوب على النزاة موافقة. ثم إنه نزل على الكرك، وأمر بقطع الأشجار، وأقام عليها شهرين متتابعين، ورتب عليها النقوب والزحوف، ونصب المناجنيق. وعبرت الناس تحت النقوب، وخاسفهم الفرنج، وقتل فى ذلك اليوم خلق كثير من الفئتين. وكان الملك المعظم عيسى بدمشق، حسبما سقناه من أخباره، فحضر بعساكر الشام.
وكذلك قدمت الجيوش من عند صاحب الموصل سيف الدين غازى بن مودود.
وجاءت سائر ملوك الإسلام. ثم إن السلطان صلاح الدين جدد من الجيوش على طبرية مع أخيه فخر الدين توران شاه. ثم قدم بنفسه، وفتحها الله تعالى على يديه، بعد ذلك مع قلعة حطين، التى مجاورة الطور.
فلما بلغ ملوك الفرنج اجتماع كلمة ملوك الإسلام، انتحوا للدين الذى لهم، وقالوا:
«لا بد من الموت، فموتنا فى هذه الأرض المقدسة خير لنا من غيرها». وتكاتبوا، وأتتهم النجدة من كل أرض وجزيرة، واجتمعوا مائة ألف واثنى عشر ألف،