للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الجزائر والبلدان، على عبدة الصلبان، وصوروا بكفرهم صورة على أنها صورة المسيح عليه السلام، وأسالوا على وجه الصورة الدماء، وأقاموا صورة إعرابى، وقالوا هذا نبى المسلمين قد جرح المسيح، وأجرى دمه على وجهه، فانهضوا لنصرته، وخذوا بثأره. فلم يبق منهم ملك من الملوك، ولا غنى فيهم ولا صعلوك، إلا انتخى لمصابهم، وسمع لهم وأجابهم.

أجمع أهل التاريخ ممن عنى بجمع أخبار العالم-رحمة الله عليهم-أن هذه الوقعة لم يسمع بمثلها من أول زمان وإلى ذلك التاريخ، فإن بلاد الروم خرجت عن بكرة أبيها، من سائر قلاعها ومدنها وحصونها، وأبذلوا الأموال للفرسان والرجال، وباعوا أنفسهم للمسيح. ووردوا من البر والبحر بالخيل والرجل، يقدمهم القسوس والرهبان، وقد لبسوا السواد. والبطرك قد حرم عليهم، وقالوا موتوا فى هذه الأرض المقدسة، فهو خير لكم.

وكان السلطان صلاح الدين مخيما على شقيف أرنون، فلما بلغه ذلك من قصد الفرنج عكا فى هذه الجموع العظيمة، خشى عليها، وتوجه يقحم خيله ليسبق بالنزول عليها، وتبعته العساكر أولا فأولا، فلم يدرك عكا حتى سبقته الفرنج، ونزلوا عليها برّا وبحرا فى عدد لا يحصى، كأنهم الجراد المنتشر، وذلك لما أراده الله تعالى من سعادة المحصورين بها، وأن يكونوا من الشهداء الفائزين بجنات النعيم، وهو النعيم المقيم.

وكان وصول الفرنج إلى عكا ونزولهم عليها رابع عشر شهر رجب من هذه السنة.

ووصل السلطان خامس عشرة، فسبقوه بيوم واحد، لما يريده الله عز وجل. وتلاحق به العساكر ونزلوا يوم الجمعة على الخروبة. ونزلت الفرنج على عكا من كل جهة برا وبحرا. ونزل جيش السلطان صلاح الدين أول ميمنته بالنواقير بالبحر، وآخر ميسرته القيمون. وأمر الناس أن يثبوا للقتال وإشغال الفرنج عن لجاجة الحصار على عكا، فتقدمت الميسرة إلى طريق النهر الحلو، وآخر الميمنة مقابل تل العياضية، واحتاطت