عساكر الإسلام بالعدو المخذول، والفرنج الملاعين لا يشغلهم عن حصار عكا شاغل، بل مجتهدين غاية الاجتهاد. والمسلمون بعكا لم يغلقوا لها بابا، والسلطان صلاح الدين يناوشهم القتال من جهة القلب.
ووصلت ملوك الإسلام، ووصل من الشرق مظفر الدين [كوكبورى] ابن زين الدين على كوجك. ووصل حسام الدين سنقر الأخلاطى. ولم يزل القتال كذلك بين الفئتين مناوشة إلى يوم الأربعاء، لتسع بقين من شهر شعبان، خرجوا الفرنج-خذلهم الله-فارسهم وراجلهم، وتحركوا حركة عظيمة، ارتجت لها الأرض، وبين أيديهم الإنجيل محمولا على يد البطرك، مستورا بثياب الأطلس. وركب السلطان صلاح الدين، فى جيوش الموحدين، ونادى مناديهم:«هيا يا أمة محمد المختار! عليكم بالكفرة الفجار! فهذا يوم وعد الله فيه الصابرين بالحور العين. أما ترضوا أن تبيعوا أنفسكم بالجنان، ومجاورة الرحمن، فى دار لا يحزن مقيمها، ولا يفنى نعيمها، ولا ينفد سرورها، ولا يبرح حبورها. يا خيل الله اركبى، وبالجنة أبشرى». قال:
فركب الناس وقد أباعوا أنفسهم لله، وقد وثقوا بما وعدهم به الله فى كتابه العزيز العظيم، على لسان نبيه الكريم، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
وكان السلطان صلاح الدين فى القلب، وولده الملك الأفضل فى الميمنة، وولده الظافر فى الميسرة. وكان مما يلى القلب سيف الدين على بن أحمد المشطوب ملك الأكراد، فى خلق عظيم من المهرانية والهكارية وغيرهم. ومحاذيه مجاهد الدين برنقش مقدم عساكر سنجار، وخلق كثير من المماليك الترك. ولم يكن عليهم مقدما، فيذكر عن الفقيه الهكارى-أمين القدس المقدم ذكره-قال:«إن السلطان صلاح الدين شاهدته بعينى وهو يدور بنفسه على جيوش المسلمين، ويحرضهم على القتال، ويقول لهم إنى كأحدكم، فلا يطلب اليوم أحد منكم غير رضى ربه».