ثم التقى الجمعان، فبدرهم الملك المظفر بالجاليش، فتكاثروا عليه، وكان فى طرف الميمنة على البحر. فلما رأى السلطان ذلك خاف عليه، فحرك بنفسه نحوه.
وكان المظفر قد تقهقر إلى ورائه قليلا، لما رأى من كثرتهم عليه. فلما رأى السلطان صلاح الدين ذلك حرك نحوه. فلما عاين الجيوش تأخر المظفر وتحريك صلاح الدين شوقا إليه، ظنوا أنها كسرة، فانهزم المسلمون. وكانت أهل الديار البكرية ليس لهم خبرة بقتال الفرنج، فولوا هاربين لا يلووا على شئ. ووصلت طائفة من الفرنج إلى مخيم السلطان، وجالوا حوله ساعة.
وأما ميسرة المسلمين، فإنها ثبتت قليلا، وصار السلطان دائر بين العسكرين، ومعه القضاة، والفقهاء، والخطباء، وأكابر الأشراف، وهو يستوقف الناس، ويحضهم وهم لا يلوون. قال الفقيه الهكارى يحلف بالله أنه لم يبق مع السلطان سوى خمس نفر. وأما المنهزمون من المسلمين فإنهم وصلوا دمشق، وهم الميمنة. والميسرة وصلت طبرية. ثم اجتمع على السلطان الناس أرباب المروءات، فحمل على العدو بنفسه فى شرذمة يسيرة، فطرحوا من الفرنج جماعة جيدة. وجاء نصر الله والفتح، وأيّد الله الإسلام على عوائده الجميلة، فكان كما قال عز وجل:{كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصّابِرِينَ»}. فولى الفرنج منهزمين، فظنوا أن الجيوش تراجعت عليهم. وركبت تلك الفئة القليلة أكتافهم قتلا بالسيف، وضربا بالدبوس. وعاد الملك المظفر وكذلك جناح الميسرة. وتداعت الناس، وتراجعوا من كل مكان.