وفى الطير ما لا ينشر إلا بالليل كالخفّاش والبوم فما يخليه الرازق مع اختفاء الصيد من معاش هو يتناول من البعوض والفراش وغير ذلك.
وهل نظرت إلى إلهام البهائم ما يشابه فطن العقلاء ليكون عونا لها على البقاء فإنّ النملة تتّخذ الربية فى نشر لئلا يتأذّى قوتها بالعفن ويقطع الحبّ لئلاّ ينبت، ولبث الذباب يسكن كالميّت فإذا عقلت عنه الذبابة وثب، والعنكبوت تنسج شبكة للذباب.
قال: فلمّا أملّ العقل على كاتب السمع من هذا ما أملّ، قال اكتف بهذا الصاع كيلا كى لا نملّ، فلقد تجلّى الحقّ للخلق فرأته الألباب عيانا، غير أنّ أعمى البصيرة قد أعيانا، قلت: فإذا كان الدليل الواضح قد دلّ، فما بال أكثر الخلق قد ضلّ، قال: إنّه خلط الأدلّة (٢٢) الجليّة بالشبه، وأقام العقل يفرق ما اشتبه، فمن الناس من لم يرفع النضيّة إلى العقل إهمالا لطلب الصواب، ومنهم من رفعها ولم يلتفت إلى الجواب، وجمهور الضالّين الذين حول العسر جلسوا راموا أن يدركوا بالحسّ ما لا يدرك <إلاّ> بالعقل فلما أعوزهم ذلك خرجوا إلى الجحد.
قلت: أيّها العقل أفتحيط علما بالمعبود، قال: شهدت عندى أفعاله بالوجود فحصل لى المقصود، فأمّا إدراك ذاته فتعجز قوّتى، لأنّ رتبته فوق رتبتى، أتراك لو مررت فى بعض البقاع بقاع ثم عدت وفيه بنيان، أما بان لك وإن لم تبن وجود بان؟
قلت: اذكر لى جملة من صفاته إذ لا سبيل إلى معرفة ذاته! فقال: تعالى عن بعضيّة «من» وتقدّس عن ظرفيّة «فى» وتنزّه عن شبه «كأن» وتعظّم عن نقص «لو أن» وعزّ عن عيب «إلاّ أن» وسما كماله عن تدارك «لكن» مما تنزه عنه «مم» فيما يجب نفيه «فيم» جلّ وجوب وجوده عن رجم