للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تظهر فيه تلك الموادّ التى انعقدت فى بواطن الشجر، وصيف ينضج فيه الثمر، وخريف تستريح فيه، ثم تلمح الحرّ والبرد كيف يدخل كلّ واحد منهما على صاحبه بتدريج لئلاّ يفجأ الأبدان فتضطرّ.

ثم انظر إلى خلق النار التى لا بدّ للخلق منها فلو ثبتت فى العالم لأحرقته لكنّها جعلت كالمخزون تستتار (١) وقت الحاجة فتمسك بالمادة قدر مراد الممسك.

تأمّل خلق الطير فإنّه لما قدر له الطيران تخفف جسمه وأدمج خلقه واقتصر له على جناحين فائمتين وجعل له جؤجؤ محدّد يخرق به الهواء كما تخرق السفينة بجؤجؤها الماء، وأطيل (٢١) ريش جناحيه وذنبه لينهط (٢) للطيران وكسى جسمه كلّه الريش لما (٣) يدخل فيه الهواء فيقلّه، ولمّا كان يختلس قوته خوف اصطياد صلب منقاره لئلاّ ينسجح من الالتقاط ونقص الأسنان لأنّ زمان الانتهاب لا يحتمل المضغ، وجعلت له حوصلة كالمخلاة ينقل إليها ما تيسّر على عجل ثم يدفعه إلى القانصة فى زمن الأمن على مهل، وزيدت جوفه حرارة لتطحن ما لم تمضغه، فإن كانت له فراخ أسهمهم من الحاصل فى الحوصلة قبل النقل فإن كان ممّن لا حنّة له على فراخه أغنوا عنه بالاستقلال من حين انشقاق البيضة كالفراريج فإنّها تخرج كاسية كاسية، أو ما علمت أنّ الفرخ من البياض يخلق وبالمحّ يغتذى كما يغتذى الطفل بدم الحيض لأنّ القشر لمّا كان مانعا من وصول قوت أعطى ما يتقوّنه، ولما بثّ الطير صان السنبل بتشور محدّدة لئلاّ ينشفه فيموت بشما فيعوب الحظان، ولما جعل رزق طائر الماء فى الماء طوّل ساقاه فهو مقيم فى ضحضاح فإذا رأى صيدا خطا إليه ولو قصرت قائمتاه كان حين سعيه يضرب الماء بطنه فينفر الصيد.


(١) تستار: تستثار
(٢) لينهط: لينهض
(٣) لسا: لئلا