للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اللحانا، (١) ومن العجب أنّ الأصوات لا تشابه لأنّه لما احتيج إلى معرفة الصوت رفعت الشبه برفع الشبه، وكذلك الصور والخطّ.

ثم انظر كيف مدّ الأرض بساطا ثم أمسكها عن الاضطراب فتمكّن بسكونها السكنى ثم يزلزلها فى وقت ليفطن الساكن بقدره المزعج وجعل منها نوع رخاوة ليتهيّأ للحفر والزرع، ورفع جانب الشمال لينحدر الماء وفرق الماء بين الجزائر ليرطب الهواء وأودع فيها المعادن كما تودع الحاجات فى الخزائن.

ثم أخرج الحبّ (٢٠) لبنى آدم والأب للبهائم والحطب للوقود، تأمّل قيام الشجر كلّما طال فى السماء الفرع امتدّت العروق فى الأرض كقيام العمد بالأطناب، ولولا ذلك لم تثبت النخل فى العواصف من الرياح، ثم إنّها تموت وتحيى فهى فى حال يبسها متشهّة بالغائب فإذا همّت بالقدوم بشّر نور النور.

تأمّل الرمّانة كيف حشيت الشحم بين الحبّ ليكون غذاء لها إلى وقت عود المثل ثم بين كلّ حشوين لقّافة لئلاّ تنصال (٢) فيجرى ماؤه، ولمّا كانت العيون لا تبصر إلاّ بواسطة الضوء خلق الشمس سراجا ومنضجا للثمر تجرى من غير توقّف إذ لو وقفت حجبها عن بعض الأماكن جبل أو جدار لكنّها تسير ليعمّ نفعها، فإذا تعبت الأبدان من الحركة بالنهار غابت لتسكن فيزول كدّ الكلال بالاستراحة وتقوى القوى بتلك الراحة، فإن عرضت حاجة بالليل ففى القمر خلف ولو أضاء فى جميع الشهر لانبسط الناس فى أعمالهم فأدى الحرص كدّه، ومتى غاب القمر كانت أنوار الكواكب كشعل النار فى أيدى المقتبسين.

ثم إنّ الشمس ترتفع تارة وتنخفض تارة أخرى فيختلف الزمان بين شتاء تغور فيه الحرارة فى الشجر فتعقد موادّ الثمر ويكيّف الهواء فينشأ السحاب، وربيع


(١) اللحانا: الحانا
(٢) تنصال: تنسال