الذى هذا التاريخ من أساس تاريخه نشئ، ومن حشو حلاوة لوزينجه حشى، فقال: كان السلطان صلاح الدين ملكا شجاعا مقداما، سمحا معطاء، كريما جوادا، حسن الملتقى، صاحب بشاشة وهمة ويقظة وتفكر فى مصالح المسلمين، شريف النفس، عالى الهمة، عزيز المروءة، واسع الصدر، كثير الحياء، قليل السفه، عظيم الحرمة، شديد الهيبة، متزهدا عن أعراض الدنيا، غير متطلع لما فى أيدى الناس، يحبّ أهل الفضل والعلم والأدب، متواضع لأهل العلم والشرع، حسن التدبير، ليس له همة فى لذّات الدنيا وزخارفها، مشتغل لما استعمله الله-عز وجلّ-فيه من سائر الأمور الدينية، أكبر همه الجهاد فى سبيل الله، وقيام منار الإسلام، وإخماد جمرة الكفر.
يرى نفسه كأحد من الناس.
ورأيت فى مسوداتى أن لما فتح السلطان صلاح الدين بيت المقدس، واستنقذه من يد الكفر، فى شهر رجب-حسبما تقدم من تاريخه-كان هذا الفتح خامس وعشرين مرة له قد استنقذ من يد المشركين بأيدى المسلمين.
قال ابن واصل: حدثنى بعض من أثق به أنه كان جالسا بحضرة السلطان صلاح الدين-رحمه الله-وقد دخل عليه ولده عثمان الملك العزيز-وهو إذ ذاك صغير- فطلب من أبيه السلطان دينارا، فقال لمملوك قائم بين يديه:«أعطه» -أظنه خزنداره-فقال:«ما هو عندى». فأطرق إلى الأرض ساعة، وإذا بحمل من الإسكندرية وقد دخل عليه، وحمل آخر من الصعيد، وآخر من الغربية، فأمر بإفراغ المال بين يديه، ثم قسمه وفرقه [على] الجميع، حتى لم يبق منه شئ. قال الراوى كذلك: فداخلنى حنق، وكنت ممن أدّلّ عليه، فقلت: «يا مولانا كل الأمور