صبرت عليها إلا هذه». قال:«وما هى؟»، قلت:«ولدك يطلب منك دينارا فلم تجده مع خازنك تعطيه، وتفرق هذه الأموال العظيمة ولا تبقى منها لولدك ما طلبه منك». فقال:«يا فلان ترى هذه الأموال والله إنما شريت بها رءوسهم ومهجهم».
قال الراوى: فو الله لقد شاهدت تلك الرءوس تتطاير بين يديه فى مواقف الحروب كالأكر، فعلمت عند ذلك جميل مقاصده، رحمه الله.
وروى أن السلطان صلاح الدين لما كان بدمشق-بعد مهادنة الفرنج-حضرت إليه عدة من الرسل، ومنهم رسول الفنش الكبير صاحب رومية، وكان السلطان فى طارمة له تطل على اصطبله، وخيله قدامه ما لا تبلغ ثلاثين فرسا، فنظر الرسول إلى ذلك فاستقله، فقال للترجمان:«قل للسلطان أنت ملك الأرض، وصاحب العصر، وهذه جميع خيلك؟. فنحن أى فارس مسكنة منا كان عنده أضعاف هؤلاء». فأعاد الترجمان على السلطان، فقال:«قل له جوابك غدا إن شاء الله تعالى». ثم إن السلطان رسم للحجاب أن يكون الجيش جميعه بكرة النهار مطلب، ويدخل طلبا طلبا بجميع خيولهم وجنائبهم وأثقالهم، من تحت تلك الطارمة.
فلما أصبح، وجلس السلطان، وكذلك الرسول، ودخلت الأطلاب فى أحسن زى، وأعظم هيئة، رأى الرسول ما أذهله، فقال السلطان للترجمان:«قل له هؤلاء هم خيلى وعدتى». فقال الرسول:«والله مليح. لكن يجب أن يكون للسلطان مال حاصل، فإن المال مثل العسل، والرجال مثل الذباب، متى رأى العسل اجتمع عليه». فأعاد الترجمان على السلطان ذلك، فقال قل له:«جوابك الليلة إن شاء الله تعالى». ثم أمر السلطان أن يمد الخوان جميعه عسل فى زبادى على المخافى، وأوقد الشموع. وأحضر