للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فانهزم، ودخل دمشق، وتبعه العزيز. وكان ذلك يوم الجمعة لخمس بقين من جمادى الآخر. ولم يزل حتى حصره [العزيز] فى دمشق يوم وليلة، فعندها وصل الملك العادل من الشرق فى اثنى عشر يوما، ودخل دمشق، وكذلك الملك الظاهر صاحب حلب، والملك المنصور صاحب حماه، والملك المجاهد صاحب حمص، والملك الأمجد صاحب بعلبك. ثم دخل الجميع دمشق إلى الأفضل. ثم كتبوا إلى العزيز يقصدوا الاجتماع به، فاجتمعوا على سطح المزة وشفع العادل فى الأفضل عند العزيز فقبل ذلك، وقال: «يا عم أنت الوالد بعد الوالد، ولا نخرج عن ما ترسم به». فلما رأى العادل حسن سياسة العزيز وغزارة عقله خطبه لا بنته، وقدمها له، فكان الملك العادل الخاطب والملك العزيز المخطوب. ثم أصلحوا بين الملكين الأخوين، وعاد كل ملك إلى بلاده. ثم تحرك أيضا الملك العزيز على الأفضل، وعاد إليه قبل دخوله إلى الديار المصرية، فإنه بلغه ممن يثق به أنه جهز عليه فداوية لقتله، فبلغ الأفضل عودة العزيز إليه فخافه، فركب بنفسه، ولحق عمه العادل، وسأله أن يقيم عنده بدمشق، فعاد معه، ونزل بدمشق. فلما بلغ الأمراء الكبار استقرار العادل بدمشق -وكان قد حصل لهم وحشة من العزيز-مالوا بأجمعهم إلى العادل. فلما حصل ذلك خشى العزيز على نفسه، فعاد إلى مصر، وأخذ بقلوب من بقى من الأمراء الأسدية، وأحسن إلى الجند، وأنعم إنعاما كثيرا، واستقر حاله.

واتفق العادل والأفضل على طلب العزيز، فتوجهوا، وإلى مصر قصدوا، فلقيهم الأمير حسام الدين بن أبى الهيجاء، وقال: «حثوا المسير فإن الأمراء المصريين كلها معكما». ثم ورد من العادل رسول على العزيز يستدعى القاضى الفاضل. وكان القاضى الفاضل قد انفرد بنفسه ذلك الوقت، وانقطع فى داره، لما رأى ما حصل من الخلف بين الإخوة. فلما وصل القاضى الفاضل تلقاه الملك العادل ملتقى حسنا، وقال:

«يا قاضى إنما جئت لأوفق بين الإخوة». ثم وفّق بينهما فى حديث طويل، آخره أنه أخذ الأفضل وعاد إلى دمشق.