وسميساط. وملّك ميافارقين لولده الملك الأوحد نجم الدين، وعاد السلطان إلى مصر.
وفيها اشتد بالناس الغلاء، وهرب أكثر أهل مصر إلى الغرب وإلى الحجاز واليمن والشام وتفرقوا أيدى سبا. وكان ذلك أعظم مما جرى فى زمان المستنصر فى سنة عشر السبعين والأربعمائة حسبما ذكرناه فى سنيه.
وروى الناس من الثقاة، أن فى هذه السنة كان يقوم الرجل فيذبح ولده الصغير، وتساعده أمّه على طبخه، ويأكلونه. ولما اطلع السلطان على ذلك، مسك منهم جماعة فعلوه، فأمر بحرقهم، فأحرقوا بمشاهدة جميع الناس. وعادوا يفعلون ذلك، مع من يقدرون عليه وعلى تحصيله، مثل طبيب يدعى لينظر إلى مريض، فعندما يحصل فى الدار يثبوا عليه فيقتلونه ويأكلونه. وكذلك مثل مزين، وجرائحى، وسائر أرباب الصنائع، الذين يستدعون إلى المنازل ليصنعوا شيئا من صنائعهم، فيفعلون به كذلك، وعادوا يختطفون الصغار والصبيان من الحارات والأزقة. وحصر من كفّنه السلطان فى مدة عشرة أيام فكانوا مائة ألف وعشرين ألف. وصلى خطيب الإسكندرية فى يوم واحد على سبعمائة جنازة من أعيان الناس، خارج عمن لا يعبأ به.
وكان أشد الغلاء والوباء بالديار المصرية فى شهر رمضان، بلغ فيه القمح سبعة دنانير مصرية الأردب، والشعير والفول خمسة. ولا عاد يوجد شئ من سائر الحبوب، وآلت مصر إلى الخراب الكلى، لولا لطف الله بعباده. وطلع نيلها فاطمأنت نفوس الناس قليلا.
وفيها كانت الزلزلة العظيمة فى شهر شعبان، أتت من نحو الصعيد، فعمت الدنيا فى ساعة واحدة، وهدمت بنيان مصر، حتى عدم تحت الهدم عالم عظيم. ثم وصلت بالشام والساحل، وهدمت نابلس، حتى لم يبق بها جدار قائم إلاّ حارة السّمرة.