الطور. فلما كان يوم الثلاثاء رابع الشهر المذكور، طلعوا بأسرهم، وصحبتهم سلم عظيم، فزحفوا من ناحية المرامى من نحو باب دمشق. ولم يزالوا حتى ألزقوا السلم السور، فقاتلهم المسلمون قتالا لم يعهد فى جاهلية ولا إسلام مثله، لشدته.
ودخلت رماح الملاعين من المرامى من كل ناحية، فضرب بعض الزراقين السلم بقارورة نفط أحرقه، وقتل عنده جماعة كبيرة من أعيان الفرنج، وقتل كند كبير من كبارهم. فلما رأوه صاحوا صيحة عظيمة، وكسروا رماحهم عليه. واستشهد فى ذلك اليوم من المسلمين من الأمراء بدر الدين محمد بن أبى القاسم، وسيف الدين مرزبان، وكانا من الأمراء الأجواد الصلحاء، رحمهما الله تعالى. وغلقوا الأبواب، وباتوا يداوون الجرحى، واتفقوا أنهم يقاتلون قتال الموت ولا يسلمون أنفسهم، فيجرى عليهم كما جرى على أهل عكا. وكان فى الطور أبطال المسلمين. وأوقد الفرنج حول الطور النيران. فلما كان يوم الخميس سادس رمضان وقت السحر رحل الفرنج طالبين عكا، ولم يعلم لذلك سبب. ثم إن الملك المعظم وصل الطور، وأطلق الأموال، وأخلع على سائر من كان بها، وشكر لهم ما صنعوه.
وفيها جلس الملك العزيز بن الملك الظاهر بن السلطان صلاح الدين على كرسى مملكة حلب.
وفيها تتابعت إمداد الفرنج وملوكها فى البحر من المرقية والبنادقة، وهما كرسى مملكة الرومانية، وهى التى فيها الباب الكبير، الذى يزعمون أنه الخليفة عندهم. ثم تتابعت ملوكهم أولا فأولا، وحلفوا أن لا بد لهم من البيت المقدس والشام والساحل بكماله. فلما بلغ السلطان الملك العادل ذلك-وكان بالديار المصرية-