للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من الأمراء على الملك الكامل، وقال: «هذا صبى خفيف، ولا يأتينا منه خير».

فلما بلغ الكامل ذلك خشى على نفسه، وهرب من ليلته مع جماعة يلوذون به من خاصته، ونزل المنصورة. وأصبحت العساكر فلم يجدوا السلطان بالدهليز، فتسحبوا أولا فأولا، وكانت كسرة عظيمة، لولا لطف الله عز وجل وعنايته بهذه الأمة. وأن الافرنج-خذلهم الله-لما لم يجدوا من يقاتلهم، ولا من يمانعهم، تقدموا إلى وطاقات المسلمين، ونهبوا الأموال والعدد والسلاح. وقد كان كل أحد من المسلمين قد أخذ ما خف حمله عليه، وترك ما ثقل. وكان الملك الكامل نوى أن يقصد اليمن، ويترك ديار مصر للعدو، فأبى الله إلا عوائده الجميلة على هذه الأمة المنصورة، وأن يكون الأعداء هم العصابة المكسورة. فلم يصبح الصباح إلاّ والملك المعظم صاحب الشام بجيوشه، وقد صبّحه. فخرج الملك الكامل وتلقاه، واعتنقا وبكيا. ثم إنه شكا إليه ابن المشطوب، وما فعله ونواه، فحلف المعظم أنه لا ينزل عن فرسه حتى ينفيه من الديار المصرية. وكان عسكر الديار المصرية فى ذلك الوقت أكثره أكراد، وابن المشطوب ملكهم. ثم إن المعظم لم يزل راكبا حتى مرّ بخيمة ابن المشطوب، فقام إليه وتلقاه. فقال له المعظم: «اركب والحقنى، حتى نتفق على أمر تكون فيه المصلحة، فرأيك المبارك». فتوهم ابن المشطوب أن المعظم مائل إلى ملك مصر، وأنه طلبه ليتفق معه على نزع الكامل من الملك. فركب ابن المشطوب حافيا بغير خفّ لعجلته، ولا سيف. فلما لحق به قال: «أريد نخرج ونبعد ونتحالف على أمر يكون فيه صلاح المسلمين». فقوى ظن ابن المشطوب، ولم يزل يحادثه إلى أن بعد عن وطاقه. ثم إن المعظم أمر أن يركب خمسين مملوكا من أجلاد مماليكه، وجعل عليهم عشرة من بنى أيوب، ويلحقون به. فلما لحقوا به، التفت إلى ابن المشطوب، وقال: «يا عماد الدين! هذه الديار المصرية لنا أو لك؟». فقال ابن المشطوب:

«الله! الله! يا خوند! أنا مملوك بنى أيوب». فقال المعظم: «نحن ما عدنا نريدك تبلى