للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بغيرنا ولا تبلى بنا». ثم أمرهم أن يأخذوه من ساعته، ويوصلوه إلى غزة. ثم رجع المعظم إلى خيمته، وكذلك الملك الكامل، وقوى أمره، وثبت ملكه.

وأمّا الفرنج فإنهم فى تلك الليلة أشرفوا على أخذ ثغر دمياط، وأحاطوا بها، وجدوا فى حصارها. وانقطع عن أهل دمياط من كان يدخل إليهم من جواسيس المسلمين، وقلّ عندهم القوت، وذلك بسبب حركة ابن المشطوب. وتمكن الفرنج تمكنا عظيما فى حفرهم الخنادق بينهم وبين المسلمين، وبنوا الأسوار، وعملوا الستائر بالأخشاب، وأقاموا فيها الرّماة بالجروخ. وأما من كان من المسلمين بدمياط، فإنهم ضعفت أحوالهم، وضاقت حيلتهم، واشتد خوفهم، وصبروا صبر الكرام.

وأراد الملك الكامل أن يسيّر إليهم رسولا، فلم يقدر على ذلك لحفظهم الملاعين البر والبحر. وكان عند الملك الكامل جندارا من قرية من ضياع حماه، يقال لها معرذفتين، اسمه شمائل، فتوصل إلى أن صار جندارا فى الركاب. فحضر بين يدى السلطان الملك الكامل، وسأل أن يكون رسولا إلى أهل دمياط، فكان يغطس فى البحر، ويطلع من البر الآخر، ويخاطر بنفسه، ويعبر دمياط، ويدخل بين مراكب الفرنج. ويجتهدوا كل الاجتهاد على أخذه، فلم يقدروا على ذلك. ودخل دمياط عدة طرق فى تلك الأيام التى لا كان الطير يطيق العبور بها؛ لاحتياط الملاعين بها، فأحسن السلطان إليه، وجعله برددارا. ثم أعطاه إقطاعا وجعله جنديا فى العدة.

ثم جعله مقدما فى الحلقة السلطانية وهو مع ذلك واقف على قدم الاجتهاد فى الخدمة والمناصحة. فأوعده السلطان وقال: «متى فتح الله تعالى علينا بكسر هذا العدو ورجعنا إلى القاهرة جعلتك من الناس». فلما فتح الله على المسلمين، واستعادوا دمياط -بعد [أن] أقامت بأيدى الفرنج ثلاث سنين-ورجع السلطان إلى القاهرة،