فرجعوا إلى مراسلة السلطان الملك الكامل وسألوا الصلح، وطلبوا الأمان لأنفسهم، وأن يسلموه دمياط، ولا يريدون غير خلاص نفوسهم لا غيرها. فاستشار إخوته الملوك فى ذلك، فقال الملك الأشرف-وكان قوى النفس، شديد البأس-: «لا نقبل منهم، ونقتل هؤلاء الملاعين أجمعهم، فإن هؤلاء هم دين النصرانية كله، وهم الصليب بكماله، ونريح الأرض منهم، ولا نبقى على أحد منهم. وقد أمكننا الله عزّ وجل بقدرته من نواصيهم». وكذلك قال المعظم فقال الملك الكامل-وكان فيه سياسة ونظر فى العواقب-: «ليس هذا برأى ولا مصلحة. وهؤلاء كبار دين الصليب، وملوك الأرض، والفرنج كثير. وإلى الآن دمياط فى أيديهم. ومتى قتلناهم لا بد أن يأتوا برا وبحرا، وفارسا وراجلا، وأصحابنا فى هذا الوقت قد سئمت نفوسهم من القتال، وكلّوا. وأنهم والله لمعاذير فى ذلك. وقد أنعم الله علينا بهذا الفتح العظيم، الذى ما كان لنا فى خلد. والرأى أن ننعم عليهم بنفوسهم. لكن على ما نريد نحن، لا ما على ما يريدون هم».
قال ابن الأثير-رحمه الله-فى تاريخه: كانت مدة الحصار والحرب على ثغر دمياط ثلاث سنين، وثلاثة أشهر. وقال غيره: ثلاث سنين وسبعة أشهر.
ثم حصل الصلح بينهم فى حادى عشر الشهر، واتفق الحال بينهم على أن يأخذوا منهم رهائن، حتى تعود رهائنهم. فكان عدة رهائن الفرنج أربعة عشر ملكا وهم:
كرموك بن الباب يعنى خليفتهم، وكرمريك صاحب صقلية، وبندارك ملك النوباردية، وسربار ملك الجزيرة الورانية، والريدكور صاحب المساوى وهو إقليم كبير بالمغرب، وكندفور صاحب جزيرة النمسون، وطرباط صاحب البندقية، وابن الأنبرون، وفرنسيس، وأدورد، والملك أخوزنتون، والملكة صاحبة عكا بنفسها، ورومان ابن صاحب رومية الكبرى وهو المعروف بالكاف، وكندريس الكبير، وهؤلاء أعظم ملوك دين الصليب. ثم رهن عندهم السلطان الملك الكامل ولده الملك الصّالح، وجماعة من الأمراء الكبار المصريين. وكان عمر الملك الصالح فى ذلك الوقت خمس عشرة سنة، فإن مولده فى سنة ثلاث وستمائة، فكان مراهق البلوغ، أو بالغ.