من جانب المشرق من الأرض. وكان بها نائب للسلطان علاء الدين، فعوّقهم عنده، وسيّر إلى السلطان يقول:«إن قوما قدموا علينا لا نعرفهم قبل ذلك، ومعهم أموالا جمة، من أصناف كيت وكيت، يقصدون بيعه ومشترى قماش وسلاح.
فما ترسم فى أمرهم؟». فكتب إليه السلطان يقول:«إذا أتاك كتابى فاضرب رقابهم، ولا تبقى منهم غير رجل واحد، ليعود يخبّر قومه. وخذ جميع ما معهم ونفذه إلينا، لينتهوا عن التجاسر والعبور إلى البلاد». ففعل ذلك، وعاد ذلك الرجل الذى تبقى منهم إلى جكز خان، وقد كسر الخطا أيضا وأخذ بلادهم. وكان بين بلاد الخطا وبين بلاد الإسلام سدّا، فلما ملكت التتار بلاد الخطا قوى أمرهم، وعادوا يغارون على أطراف ممالك السلطان علاء الدين. فلما وصل ذلك الرجل إلى جكزخان وأخبره بما جرى على رفقته، أرسل جكزخان جواسيسا من عنده، لينظروا مملكة السلطان علاء الدين خوارزم شاه وتقدير جيشه. وكذلك السلطان علاء الدين نفّذ عيونا، تكشف له أخبار هؤلاء القوم. فعادوا جواسيس جكزخان إليه، وعرفوه أن عساكره متفرقة، وإذا اجتمعوا يبلغون أربع مائة ألف. وعادوا عيون السلطان علاء الدين إليه وخبروه أن هؤلاء القوم خلق عظيمة، لا يعلم عددهم إلاّ الله عز وجلّ، وأنهم من أصبر الناس على الشقاء والجوع والبلاء، وأن «نحن لم نر حالا أزرى من حالهم، ولا أجوع من أنفسهم. وهم مع ذلك إذا قيل لهم أمر وقفوا عنده، وهم راضين بما هم فيه». فعند ذلك ندم السلطان علاء الدين على قتل تجارهم، ووقع فى فكرة عظيمة.
قال ابن الأثير فى تاريخه: كان سبب خروج التتار ودخولهم بلاد الإسلام غير هذا، مما لم يكن يودع بطون الأوراق.