أهل التاريخ أن عدة القتلى بمدينة مرو وأعمالها سبعمائة ألف أو يزيدون. ثم سار التتار إلى سابور فحاصروها خمسة أيام، ثم ملكوها، وفعلوا بهم كما فعلوا بأهل مرو.
ثم سارت منهم طائفة إلى طوس، ففعلوا كذلك، وأحرقوا المشهد الذى فيه على بن موسى الرضى رضى الله عنه؛ وفيه قبر الرشيد رحمه الله. ثم ساروا إلى هراة، وهى من أحسن البلاد، فحاصروها مدة عشرة أيام، فملكوها، وقتلوا منهم البعض، وأمنوا الباقى، وجعلوا عندهم شحنة من جهتهم. ثم ساروا إلى غزنة، فلقيهم السلطان جلال الدين فكسرهم كسرة عظيمة، وقويت قلوب الإسلام، فعاد كل من كان عندهم شحنة من جهتهم قتلوه. فلما ردت التتار إلى جكزخان، وهو بمدينة الطالقان، تجهز بجموع التتار لقتال السلطان جلال الدين.
هذا ما جرى للتتار. وأما السلطان جلال الدين فإنه بعد كسره التتار عظم أمره، وقوى سلطانه، وتكاثرت جيوشه، وعزم على طلب بغداد، وقتل الخليفة الإمام الناصر لدين الله. وكان قد تقدم القول بما كان من الاتفاق بين الملك المعظم صاحب دمشق، وبين السلطان جلال الدين، والمعاقدة والأيمان.
قال أبو المظفر: حكى لى الملك المعظم قال: كتب إلىّ جلال الدين يقول: «تحضر أنت وجميع من عاهدنى واتفق معى، حتى نقصد الخليفة، فإنه كان السبب فى هلاك السلطان علاء الدين أبى، وجسّر التتار لدخول البلاد، وصغّر عندهم أمر المسلمين، حتى أخربوا الدنيا». قال المعظم: فكتبت إليه نقول: «أنا معك على كل أحد إلا الخليفة. فإنه إمام المسلمين». فبينما هو على عزم بغداد، وكان قد سير جيشا إلى تفليس فسيروا إليه يقولون:«أدركنا فما لنا بالكرج طاقة، وبغداد ما تفوت».
فسار إلى تفليس، وخرج إليه الكرج، وضرب معهم مصافا، وقتل منهم سبعين ألفا.