{أَيْدِيهِمْ»} ولو حضر البيعة سعد لرأى مطلعها سعدا، ولم يجد من الدخول فيها بدّا، ولما غم فى قطيفته غما، ونأى عن دار قومه بعدا، فهى أخت بيعة الرضوان، دائمة الشرائط المشروطة وعقود الأيمان، والموكب الذى التجأه بين صفوته وعيانه، ومطية النجاة بين صهوة وعنان. وللسابق فى مثل هذا المقام فضيلة سبقه، كما أن للصادق مزية صدقه، وكلاهما مجموع لمرسل العبد فى الفوز بقصب المضمار، والذى إسراره كإعلانه، وقليلا ما يستوى حالتا الإعلان والإسرار. ولئن غاب عن الحضور بنفسه فهو فى عداد من حضر، والتعويل إنما هو على صدق النية التى أثرها هو الأثر.
قال النبى صلى الله عليه وسلم:«إن وراءكم قوما بالمدينة ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم». فليعول الديوان العزيز على القوى الأمين، وليضنّ به وإنما يضن بالضنين».
وفيها توفى الملك الأفضل نور الدين على بن السلطان صلاح الدين. توفى بسميساط فجأة، فى شهر صفر. ونقل إلى حلب ودفن بها. وعمره يومئذ سبع وخمسين سنة.
وملك بعده سميساط أخوه الملك المفضل قطب الدين موسى.
ومن كتاب «جنى النحل»، قال صاحبه: حضرت يوما بمدينة سميساط، وملكها يومئذ الملك الأفضل نور الدين على بن السلطان صلاح الدين، وهو يعرض جيشه، وأنا جالس معه، فنظر إلى صبى تركى حسن الشباب، وهو لا بس الزّرد، فقال لى: قد قلت فى هذا شئ على البديهة، وأنشد:
وذى قلب حديد ليس يقوى ... على هجرانه القلب الجليد
تدرع للورى درعا فأضحى ... وظاهره وباطنه حديد
ومن شعره أيضا:
يا من يسّود شعره بخضابه ... لعساه من أهل الشبيبة يحصل
ها فاختضب بسواد حظى لحظة ... ولك الأمان بأنه لا ينصل