وعتب الملك الكامل فى ذلك، فقال:«ما أحوجنى إلى ذلك إلا المعظّم، فإنه أعطى الأنبرور من الأردن إلى البحر، والضياع التى من باب القدس إلى يافا، فاحتجت أنا أن أعطيه القدس أيضا». ووصلت الأخبار إلى سائر بلاد الإسلام أن الملك الكامل أعطى القدس للإفرنج، فقامت الدنيا على ساق واحد، وعظم ذلك على سائر المسلمين، وأقاموا المآتم. وكان الملك الناصر داود منحرفا عن الأمير عز الدين أيبك صاحب صرخد، فتركه وقدم على السلطان الملك الكامل وهو على تل العجول. وكان عزمه العود إلى مصر. فلما أتاه الأمير عز الدين أيبك المشار إليه، قال:«قد جاءنى مفتاح الشام» وأقبل عليه، وأعطاه عشرة آلاف دينار. وجمع رأيه على السّير إلى دمشق، فتوجه إليها، واحتاطت العساكر بها من كل جهة. وقبض الناصر على الفخر بن بصاقة وابن عمه، ورماهما فى الجب. وكان قد اتهم الفخر بالأشرف، وأنه واطأ على الملك الناصر.
وفيها دخل الأنبرور ملك الفرنج إلى القدس الشريف، وجرى له فيها عجائب، منها أنه لما دخل الصخرة رأى قسيسا جالسا عند الصخرة عند القدم، يأخذ من الفرنج القراطيس، فجاء إليه كأنه يطلب منه الدعاء، ثم لكمه رماه إلى الأرض، وقال له:
«يا خنزير، السلطان قد تصدق علينا بزيارة هذا المكان، وتفعلوا فيه هذه الأفاعيل القباح! إن عاد منكم أحد إلى هذا الفعل قتلته».
قال أبو المظفر: حكى لى قوّام الصخرة، قال: نظروا إلى الكتابة التى على الصخرة، وهى:«طهر هذا البيت المقدس صلاح الدين من المشركين». فقال:«ومن هم المشركين؟».
ثم قال للقوّام:«ما هذه الشبابيك التى على أبواب الصخرة؟» قالوا: «تمنع العصافير».
فقال:«قد أتى الله إليكم بالخنازير». وقالوا عنه أيضا: ولما أتى وقت الظهر أذّن المؤذنون، فقام هو ومن كان معه من جماعته، فصلوا. وكان معلمه الذى أتى معه