للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من صقلّية، يقرأ عليه المنطق، وقيل إنه كان مسلما فى الباطن. وكان الأنبرور من صفته أنه أشقر، أمعط، أعمش، لو كان عبدا ما ساوى سبعين درهما. وقيل إنه كان دهريا، وإنما كان يتلاعب بالنصرانية. قال أبو المظفر: وكان السلطان الملك الكامل قد أمر القاضى شمس الدين قاضى نابلس بأن يقول للمؤذنين-ما دام الأنبرور فى القدس-لا يصعدوا المنابر، وإنما يؤذنون فى الحرم. فسها القاضى عن ذلك، ولم يقل للمؤذنين شيئا. فصعد فى تلك الليلة عبد الكريم المؤذن-وكان حسن الصوت لذيذ النغمة-وسبّح وقت السحر، وجعل يقرأ الآيات المختصة بالنصارى، مثل قوله تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ»}. وقوله تعالى:

{مَا اِتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ»}، وما أشبه ذلك من الآيات الشريفة. فلما طلع الفجر أذّن ونزل، فاستدعاه القاضى وقال: «يا عبد الكريم ماذا الذى صنعت؟ السلطان رسم بكيت وكيت». فقال: «ما عرفتنى بشئ. والتوبة». فلما كانت الليلة الثانية لم يصعد عبد الكريم المئذنة، ولا تكلم. فلما كان باكر النهار، طلب الأنبرور القاضى، وقال: «يا قاضى أين ذاك الذى كان البارحة وذكر ذلك الكلام الحسن؟». فقال:

القاضى: «مرسوم السلطان لنا بكيت وكيت». وعرفه ما وقع من السهو فى ذلك.

فقال الأنبرور: «لقد أخطأ يا قاضى. تغيرون أنتم شعائركم وشرعكم ودينكم لأجلى؟.

فلو كنتم عندى فى بلادى كنت أبطل ضرب الناقوس لأجلكم؟ الله لله لا تفعلون ذلك». ثم إنه فرق على القوام والمؤذنين والمجاورين جملة كبيرة، وطلب عبد الكريم المؤذن وأعطاه مائة دينار. ولم يقم بالقدس غير ليلتين، وعاد إلى يافا، وخاف من الديوية، فإنهم أرادوا قتله.