فقربه، وأخلع عليه، وأجلسه فوق من عادته. فقام إليه منكتمر بن هلاوون، وضرب قدامه جوك، وناوله هناب مشروب. فقام بدر الدين وتناوله، وقبل يده، وأخرج له زوج حلق فيهما جوهرتين فجعلهما فى أذنه. فقام بعده أبغا أخوه، وفعل كذلك، فأخرج له زوجا آخر أحسن من الأول، وجعلهما فى أذنه. فقال هلاوون:
«يا بدر الدين هؤلاء الشباب لهم هذا وأنا؟». فقام بدر الدين وقبل الأرض، وأخرج زوج يشعل كالشمس، لا قيمة له. وتقدم إلى هلاوون وجعل رأسه على فخذه؛ وعاد يمعك فى أذنه وينظر إلىّ. فقال هلاوون:«أباه! أباه!». فقال بدر الدين:«الله يحفظ القان، إنما فعلت هذا حتى يخدر ويجوز الحلقة من غير ألم». ثم ركب الحلق فى أذنه بعد معكهما معكا جيدا. قال أيان: فلما عدنا من عنده مكرمين، قال لى:
«كيف رأيت يا أرمنى؟». قلت:«والله ما يخلفك الزمان أبدا».
قال ابن واصل فى تاريخه: فى هذه السنة كانت صلة الملك الناصر داود بن المعظم صاحب الكرك بعمه الملك الكامل وزوّجه بابنته عاشورا خاتون وهى شقيقة الملك العادل سيف الدين أبى بكر.
قال: وفيها كان توجه السلطان الملك الكامل والملك الأشرف أخوه إلى بلاد الشرق من الديار المصرية، وملكا مدينة آمد من صاحبها وهو الملك المسعود ابن الملك الصالح محمود بن محمد بن قرا أرسلان بن سقمان بن أرتق. وذلك لما بلغ الملك الكامل ما كان عليه من قبح السيرة وتعرضه لحرمة الناس وارتكابه المحارم.
واستصحب الملك الكامل معه فى هذه السفرة ولده الملك الصالح نجم الدين أيوب، ورسم له بالإقامة ببلاد الشرق، وأقام الملك العادل بالديار المصرية عناية به، لمحبته أمه، ومحلها من قلبه.