وقيل بالكرك المحروس، سنة ست وسبعين وخمسمائة. وقيل إنه ولد قبل أخيه المعظم عيسى بليلة واحدة. وكان مبتدأ أمره بالقدس الشريف، تحت حكم ابن الزنجيلى عثمان. قال أبو المظفر: قال لى المعظم عيسى: «أنا أخذت له حران والرها والشرق من السلطان الملك العادل رحمه الله، أبى، وجهزته من عندى بالأموال والخيل والعدد والمماليك»، وتقلبت به الأحوال حتى صار شاه أرمن، وكسر المواصلة والروم، والسلطان جلال الدين الخوارزمى، وأخاه شهاب الدين غازى. وكان جوادا سمحا شجاعا ميمونا، ما كسرت له راية قط. ولما كان فى نزعه أخذ بعض مماليكه سنجقه ليكسره، وقال:«لا يحمله غيره»، ففتح له عينه وهو فى غمرات الموت، وقال بكلام لا يكاد يفهم من الضعف:«لا تفعل يا فلان، فو الله ما كسرت قط». وكان عفيفا طاهر الذيل.
قال أبو المظفر: اجتمعت به فى أخلاط-بالقلعة-فجلسنا للمحادثة، فأعاب أخاه المعظّم فى شئ بلغه عنه. ثم قال: والله ما مددت عينى إلى محرم قط، لا ذكر ولا أنثى. ولقد كنت يوما جالسا فى هذه المنظرة التى نحن فيها، فلم أشعر حتى دخل علىّ الخادم، وقال:«على الباب امرأة عجوز، تذكر أنها من عند بنت شاه أرمن صاحب أخلاط». فأذنت لها فدخلت، ومعها ورقة من عند بنت شاه أرمن، تذكر فيها أن الحاجب-عليّا قد غلبها على ضيعة لها. فكتبت لها على قصتها بردّ ضيعتها، ونهى الحاجب عنها. فقالت العجوز:«وهى تسأل الحضور بين يديك، فعندها كلام فيه سر، لا يمكن ذكره إلا للسلطان، منها له». فأذنت لها بالحضور، فحضرت امرأة ما رأيت فى الدنيا أحسن منها، ولا أظرف من قدّها وشكلها، كأنّ الشمس تحت نقابها. فخدمت ووقفت، فقمت وقفت لها إجلالا كونها بنت ملك شاه أرمن. ثم سفرت عن وجهها، فأضاءت منه المنظرة، يبهت من نظره. فقلت:«استرى وجهك، واخبرينى حالك». فقالت: «أنا بنت شاه أرمن