والقارئ كتاب رب العالمين، المنزّل على خير المرسلين، محمد صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين، وأصحابه الأنصار والمهاجرين، صلاة دائمة إلى يوم الدين. أمّا بعد فقد وصل كتابك، وفهمنا لفظك وخطابك، وها أنا قد أتيتك بالخيل والرجال، والخزائن والأموال، والعساكر والأثقال، والقيود والأغلال، فإن كانت لك فأنت السّاعى، وقد أمنت الناعى، وإن كانت عليك فأنت الباغى لحتفك، والجادع أنفك بظلفك. فإن رأيت أن لا تقيم بين الفئتين ضغنا، فلذلك منّ الله علينا وعليكم مننا، وإن غير ذلك فقد قال الله تعالى:{أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً»}. ولما وصل إلينا كتابك أعطيناك جوابك، {مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً}». وفى كتابك تهددنا بجيوشك وأبطالك، وخيلك ورجالك، أو ما تعلم أن نحن أرباب الحتوف، وفضلات السيوف، ما نزلنا على حصن إلا هدمناه، ولا عدم منا فارس إلاّ جددناه، ولا طغى علينا طاغ إلا دمرناه. فلو نظرت أيها المغرور جدّ قلوبنا وجدّ حروبنا، لرأيت فرسانا أسنّتهم لا تمل، وسيوفهم لا تكل، وقلوبهم لا تدل، ولعضيت على يدك بسن النّدم، ولأخرك تحريك قدم عن قدم، فلا تعجبك العساكر التى بين يديك، فهو يوم أوله لنا وآخره عليك. إذا أتاك كتابى هذا فلتكن منه بالمرصاد، على أول سورة النحل وآخر سورة ص، {أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ»}، {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ»}، هنالك تطاول نحوك الأعناق، وتشخص صوبك العيون، ويشوبك الويل، وتسوءك الظنون.
{وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ»} وفى آخره يقول: