ألا يا مليك الرّوم هل أنت سامع ... وهل أنت عمّا فى ضميرك راجع
تروم بلاد القدس بالسيف عنوة ... ودون بلاد القدس دينك ضائع
لقد حفظ البيت المقدس عصبة ... كما حفظ الكف اليمين الأصابع
جمعت بنى الإفرنج شرقا ومغربا ... تشتت شملا كان قبلك جامع
فلا أنت ترجو بعض ما قصدته ... ولا من أتى مستنصرا لك راجع
أتطمع من ليلى بوصل وإنما ... تضرّب أعناق الرجال المطامع
فلما وصلت هذه المكاتبة إلى الفرنسيس أمر بنزول العساكر إلى البرّ، وضرب خيمة عظيمة حمراء. وفى ثانى يوم كان الملتقى بين الجيشين، وقتل بين الفريقين عالم لا يحصى، بعدد الرمل والحصى. ومن جملة من استشهد من المسلمين فى ذلك اليوم الأمير نجم الدين بن شيخ الإسلام، وأمير يعرف ببدر الدين بيليك الوزيرى.
وأمّا ما فعله فخر الدين بن الشيخ من سوء التدبير، فإنه لما أمسى الليل توجه إلى الجسر الذى فى ناحية الجرف فقطعه، ثم أخرج جميع من كان فى دمياط من النساء والرجال، ثم تركها تصفر. وكان رأيا ذميما، فلو أقاموا مع مشيئة الله عز وجلّ فى دمياط، ما قدر عليها الفرنج، لما كان فيها من الرجال المقاتلة من الكنانية وشجاعتهم. ثم لو كانوا الكنانية الذين تبقوا فيها غلقوا بابها بعد رحيل ابن الشيخ عنها، لم تقدر الفرنج على أخذها فى تلك السرعة. لكنهم لما رأوا خروج الناس منها، ضعفت نفوسهم، وظنوا أن مدة الحصار تطول عليهم، فلذلك سلموها. فلما كان صباح يوم الأحد لسبع بقين من صفر، جاءت الفرنج إلى دمياط، فوجدوها خالية، لم يكن بها مانع فملكوها. وكانت هذه من أعظم الحوادث. واستشعر الناس أن الفرنج تأخذ الديار المصرية، وخامر ذلك عقولهم. ولم يعلموا أن هذا الدين مؤيد بالله