الترك كالرعد القاصف، ونظرت إلى لمعان سيوفهم وبريقها كالبرق الخاطف، فلله درّهم لقد أحيوا فى ذلك اليوم الإسلام من جديد، بكل أسد من الترك قلبه أقوى من الحديد. فلم تكن إلا ساعة وإذا بالأفرنج قد ولوا على أعقابهم منهزمين، وأسود الترك لأكتاف خنازير الأفرنج ملتزمين. وأحصى من قتل من الفرنج فى تلك الساعة، فكانت عدتهم ألفين وخمسمائة فارس، من كنودهم وشجعانهم، وليوثهم وفرسانهم. وأما من الرجالة فلا يحصى عدتهم إلاّ الله عز وجلّ. وانهزم الملاعين أقبح هزيمة. ومن ذلك النهار احترزوا على أنفسهم، وانقطع من الطمع أملهم، وبنوا عليهم سورا عظيما، وخافوا من سيوف الترك. وضربت البشائر بسبب هذا النصر العظيم، والإنعام الجسيم.
وكانت هذه الوقعة أول وقعة ظفرت أسود الترك بكلاب الفرنج. ثم وردت البشائر بذلك على الملك المعظّم توران شاه، وهو بالصّالحية.
ولمّا كان يوم السبت لأربع عشرة ليلة مضت من ذى القعدة، وصل المعظم إلى المنصورة، وقد استصحب معه القاضى الأسعد شرف الدين الفائز، وكاتبه النشو بن حشيش النصرانى، كان كاتب المعظم بحصن كيفا. فلما دخل المعظم الرمل طالبا للديار المصرية، أسلم النشو المذكور على يده، ورشحه للوزارة. وأما الفائز فإن السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب كان جعله ناظرا بدمشق فى الديوان السلطانى. فلما وصل المعظم إلى دمشق سأل أن يكون فى الركاب السلطانى، فأجيب إلى ذلك. ونزل [توران شاه] بقصر أبيه، وتحقق الناس موت السلطان الملك الصّالح. ثم إن المسلمين عملوا مراكب وحملوها على الجمال، وأرموها فى بحر المحلة، فلما زاد النيل أرموها فيه.