الذين كانوا فى دولة أبيه لهم الحل والعقد والأمر والنهى، وصرف وجهه عنهم. وعاد يبلغهم عنه كل كلام يشين، من التهديد والوعيد. واعتمد على جماعة كانوا قد جاءوا معه من حصن كيفا. وكان ذلك لأمر يريده الله. وكان هؤلاء الذين قد اعتمد عليهم من أطراف الناس وأراذلهم، وصار إليهم الأمر والحل والعقد. ومن جملة ضعف رأيه، وقلة تصرفه، وكثرة هوجه، وذلك الذى أوجب قتله وعدمه، أنه كان فى الدهليز إذا شرب وسكر، وتعين له الغلمان بالشموع، يجذب النمشة، ويضرب الشمع، ويقول:«هكذا أضرب رقاب البحرية»، ويسمى كل شمعة واحدا من الأمراء البحرية، مماليك أبيه.
ومن أسباب قتله أنه كان أوعد الأمير فارس الدين أقطاى بوعد، وأبطأ عليه، فذكره به على لسان بعض خواصه، فقال:«أعطيه-إن شاء الله-جبا مليحا يليق به». فبلغه ذلك.
ومن أسباب قتله أن شجر الدرّ-زوجة أبيه-كانت قد توجهت إلى القدس الشريف، ثم عادت إلى القاهرة، فنفذ إليها يهددها ويتوعدها، ويطلب منها الأموال والجواهر، فخافت منه، وكاتبت فيه الأمراء، وحرضتهم على قتله، فاتفقوا عند ذلك على قتله. فلمّا كان يوم الاثنين سابع شهر صفر-وقيل سابع عشر منه- وثب عليه بعض المماليك البحرية، وهو جالس على الكرسى، وضربه بالسيف، قطع يده من أشاجعه. فقام وولى هاربا، ودخل القصر، وصاح:«من يجيرنى؟». فقال البحرية:«لا والله ما نبقيك، فإنك لا تبقينا». ثم قالوا فيما بينهم:«ما تنتظرون فيه؟» ثم هجموا عليه، فهرب إلى أعلى البرج، فأطلقوا فيه النار، ورموه بالنشاب،