للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هيهات قامت معجزات العلى ... فيه وبانت آية الإنفراد (١)

جلّ عن الناس فما عابه ... شئ سوى تشبيهه بالعباد

وادا تأملت هده المناقب التى تخلد حسن الذكر، حتى تمثلت صورا تستشفّ فى مرآه الفكر، وجدت احسنها منظرا، واشفها جوهرا قد خصه الله بها حتى خلدت فى بطون الاوراق، وتحلت بحلاوه ذكرها اللسن الرقاق فى ساير الآفاق. ودلك اشرف ما اكتسبه المرء فى وجوده، واعظم ما منحه الله من كرمه وجوده. وإن من ادرك دلك فقد نال الرتبه العليه، والسعاده الحقيقيه (٨) لانه حصل على فضيله الذات، ووصل بها الى اعظم اللذات، ومن امثالهم: البشر احد الجودين، والبيان احد السحرين، والثنا احد العمرين. وما احسن قول المتنبى <من الكامل>:

كفل الثناء له بردّ حيانه ... لما انطوى فكأنه منشوده

ثم انه بسط اقتداره واعزّ اولياه (١١) وانصاره، لم يقف عند هده المواهب العظيمه، ولم يقنع بما انعم الله عليه من هده المناقب الجسيمة، من ترادف انعامه وجوده، وعدله الدى ملا الخافقين وجوده، ولم يرض من الصفح بما ألف، ومن العفو بما شهر وعرف. فما يجود منه على الجانى ببقا روحه، ويحول به بين المجرم وبين سكنى ضريحه، حتى ابان التداده (١٥) بالغفران، واحسانه الى من قابل نعمه بالكفران، ما جعل المدبرين يتقرّبون اليه بالجرايم، والمسيين (١٦) يتوسلون عنده بالكباير، فحمدوا خطاهم، ولم يعهد (١٧) الخطأ-مع غير كرمه-يحمد، وجحدوا برايتهم، وما عرف (١٧_) البراه-لولا فيض عفوه-ينكر ويجحد، وصارت اساءاتهم من مواتهم (١٨) اليه، وشوافعهم وجناياتهم من جرماتهم لديه ذرايعهم. فهو احق بهدا المقال <من الكامل>:

وسعت مكارمك (٢٠) ... الجناة بأسرهم

واقلت كلاّ منهم عثراته


(١) الإنفراد: كذا لصحة الوزن
(١١) اولياه: أولياءه
(١٥) التداده: التذاذه
(١٦) المسيين: المسيئين
(١٧) يعهد: يعهد أن--برايتهم: براءتهم
(١٧_) عرف البراه: عرف أن البراءة
(١٨) مواتهم: مآتيهم
(٢٠) مكارمك: فى الأصل «مكامك»