للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فاوصى عليه الحاج علىّ الفرّاش؛ وكان الحاج علىّ كبير فى بيت ابن الزعيم. فقال:

«يا حاج، استوصى (٢) بهدا المملوك، ولاطفه، وخذ بخاطره، واطعمه، واسقيه».

قال الحاج علىّ: فاتيته وهو يبكى بعد ركوب استاده. فقلت: له «ما هدا البكا العظيم.

من لطشه تعمل هده العمايل؟ فلو وقع فيك جرح سيف او نشاب كيف كنت تصنع؟» فقال: «والله، يا حاج، ما بكايى وغيضى (٥) من لطشه، فان السيوف والله ما تعمل فىّ، وانما غيضى (٦) على لعنته لوالدىّ وابى وجدى، وهم والله اخير من ابايه وجدوده».

فقلت له: «ومن هو ابوك انت، ومن جدك، وانت مملوك تركى، كافر بن (٧) كافر».

فقال: «لا تقل هكذا يا حاج، والله، ما انا الا مسلم ابن مسلم ابن مسلم الى عشر (٨) جدود.

انا محمود بن ممدود ابن (٣٥) اخت خوارزم شاه السلجوقى، ولا بد ما املك مصر واكسر التتار». قال الحاج على: فضحكت من قوله وطايبته. وتقلبت الاحوال الى ان ملك مصر وكسر التتار، ودخل [قطز] دمشق وطلبنى، فاحضرنى واعطانى خمس مايه دينار، ورتب لى راتب جيد (١٢)، رحمه الله.

وحكى العدل امين الدين محمد بن ابراهيم المدكور ايضا: قال حدثنى والدى، قال حدثنى الحاج ابو بكر ابن (١٤) الاسعردى والحاج زكى الدين ابراهيم الجزرى المعروف بالحنبلى استاد الفارس اقطاى قالا: كنا عند قطز فى اول دوله استاده المعز، وقد حضر عنده منجم قد ورد من بلاد الغرب موصوف بحذاقه ومعرفه فى علم الرمل. قال: فامر [قطز] لا كثر من عنده من الحاشيه بالانصراف، وكنا نحن من كبار اصحابه فامرنا بالقعود. ثم قال له: «اضرب وانظر من يملك مصر بعد استادى المعز، ومن يكسر هولاء التتار ويردهم عن مقصدهم». قال: فضرب وحسب زمانا، وعاد يعدّ على اصابعه.

فقال [قطز] له: «قول (٢٠) ما عندك». فقال: «يا خوند، بيطلع لى خمس حروف بلا نقط،


(٢) استوصى: استوص--اسقيه: اسقه
(٥) وغيضى: وغيظى
(٦) غيضى: غيظى
(٧) بن: ابن
(٨) عشر: عشرة
(١٢) راتب جيد: راتبا جيدا
(١٤) ابن: بن
(٢٠) قول: قل--بيطلع لى خمس: تطلع لى خمسة