للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البشاير ما يستوعب وصفه الألفاظ والمعانى-نعلمه بفتح المرقب الذى طال ما طاولته الهمم فقصرت، وحاولت على عقده التى نفث فيها كفرهم فعسرت. فما زلنا نحصرهم بكلّ منجنيق رماهم من حجارته بكلّ صاعقة، ونتبعه بكلّ سابقة ولا حقة، وبكلّ صايبة لأنفس تتلوا (٤) عند معاينها {كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ [الْمَوْتِ]}. واحتاطت بأردافه النقوب حتى انقلب (٥) خصره من كثرة العلايق، وثقلت عن إسرار أسواره ما ظهر للخلايق. فما زالت السهام تشافههم بأسنّة النصول، وتكلّمهم حيث لا يوجد من غيرها للكلام وصول.

فلما تعلقت أسوارها، وسلبت من معصم (٨) أبراجها من الشرفات سوارها، وطرقتها طارقات الطوارق (٩) ففتحت (٢٣٩) أبوابها، وأبدت المعاول من عويل سكّانها، ما شققت عليه القلوب قبل أن تشقّ أثوابها. وزحفنا عليها، ولكن قياما على ظهور الخيل، وطاف بها من عساكرنا طوفان، لا قوة لمقاومة، ولا حيلة ولا حيل.

وتسوّرنا أسوارها، فكان اندفاع الأسنّة فى النحور كما يندفع فى المسير السيل.

وكان أنجاهم من الحى إلى القيد أسيرا، وأرجأهم من أعمل إلى طلب الأمان مسيرا.

وكتابنا هذا وقد فتح الله علينا من هذا الحصن الفتح الأسنا (١٤)، والمنح الذى أنام العيون وسنا (١٥). لأنّ الإسلام المجاورين له كانوا من كفره فى اليم من الجور. وطال ما سرت سراياه فغدت وعادت على الفور. وما زالت الفرنج تطمعهم آمالهم انه لا يقصد لبعده، ولا ينازل لتحصّنه (١٧) بجبله الذى كمرسل صارم كيده من غمده، ولا يسلك غوره الوعول، ولا تعطى دحّاله لذوى الدخول إذنا فى الدخول، حتى جينا فافترشت


(٤) تتلوا: تتلو--معاينها: معاينتها. انظر الجزرى، حوادث الزمان، مخطوطة جوتا ١٥٦٠، ق ٣٣ آ--القرآن ٣:١٨٥؛٢١:٣٥؛٢٩:٥٧
(٥) انقلب خصره: كذا فى الأصل، فى الجزرى «اثقلت حصره»
(٨) معصم: فى الأصل «بعضهم»؛ انظر الجزرى ق ٣٣ ب
(٩) الطوارق: كذا فى الأصل، فى الجزرى «الحوادث» -- المعاول: فى الأصل «المعاون»، انظر الجزرى
(١٤) الأسنا: الأسنى
(١٥) وسنا: وسنى
(١٧) لتحصنه: فى الجزرى «لتحصينه»