للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يوم الثلثا لبسوا الأمراء والمقدّمين وأكابر الحلقة ومماليك مولانا السلطان أفخر الملابس، وأوقدت الشموع واستحضروا بعد عشا الآخرة. وحضر القاضى ضيا الدين وعلى رأسه طرحة. وقام وخطب خطبة بليغة، وذكر فى أثنايها آيات كثيرة من القرآن العظيم تتضمّن معانى الصلح واتّفاق الكلمة، وأردف ذلك بأحاديث صحيحة. ثمّ إنّه بسط يديه ودعا لمولانا السلطان الملك الناصر عزّ نصره، ثمّ لغازان من بعده، ثمّ للأمرا، ثمّ لكافّة المسلمين. ثمّ أدّى الرسالة، ومضمونها أنّ ما قصدهم إلاّ الصلح.

ثمّ دفع من يده كتابا مختوما (٨) بخطّ مغلىّ بغير عنوان، قطع نصف البغدادىّ، فأخذ منه، ولم يقرأ فى تلك الليلة. وعاد الرسول إلى مكانه المهمانخاناه (١٠). فلمّا كان ليلة الخميس أحضر مولانا السلطان الموالى الأمرا من أرباب المشور، وقرئ الكتاب، فكان ما هذا نسخته:

بقوّة الله تعالى

وإهداء السلام إليكم! إنّ الله تعالى جعلنا وإيّاكم من أهل ملّة واحدة، وشرّفنا بالإسلام وأيّدنا بنصره لإقامة مناره وتكبير شعاره

وما كان بيننا وبينكم إلاّ بقضاء الله وقدره، وما ذاك إلاّ بما كسبت أيديكم {وَما رَبُّكَ بِظَلاّمٍ لِلْعَبِيدِ} (١٦) وسبب ذلك أنّ عساكركم غاروا على ماردين وبلادها فى شهر رمضان المعظّم الذى يعظّمه الأمم فى ساير الأقطار، ويغلّل فيه الشيطان وتغلّق فيه أبواب النار. فطرقوا البلاد {عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها} (١٩) وهتكوا محارم الله عزّ وجلّ سرعة بغير مهلة، وأكلوا الحرام، وركبوا الآثام، وفعلوا ما لا تفعله عبّاد الأصنام، فأتونا أهل


(٨) كتابا مختوما: كتاب مختوم
(١٠) المهمانخاناه: المهماخاناه
(١٦) السورة ٤١ الآية ٤٦
(١٩) السورة ٢٨ الآية ١٥