للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ماردين، وبلادها مستصرخين، مسارعين ملهوفين، بالأطفال والحريم. وقد استولى عليهم الشقا بعد النعيم، فوقفوا بأبوابنا، ولاذوا بجنابنا

فهزّتنا نخوة الكرام، وحرّكتنا حميّة الإسلام، فركبنا على الفور بمن كان معنا، ولم يسعنا أن نجمع بقية جيوشنا، وقدّمنا قدّامنا النيّة، وعاهدنا الله على ما يرضيه عند بلوغ الأمنيّة، وعلمنا أنّ الله لا يرضى لعباده أن يسعوا فى الأرض بالفساد. وأنّه ليغضب لهتك الحريم والأولاد، فما كان إلاّ أن لقيناكم بنيّة صادقة، وقلوب على حميّة الدين موافقة {وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} (٨) والذى ساقنا إليكم، هو الذى نصرنا عليكم، فما مثلكم إلاّ كمثل {قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً} (٩) فولّيتم الأدبار، وركنتم إلى الفرار، واعتصمتم من سيوفنا بالفرار، فعفونا عنكم بعد الاقتدار، ورفعنا عنكم السيف البتّار، وتقدّمنا إلى جيوشنا أن لا يسعوا فى الأرض كما سعيتم، وأن ينشروا من العدل ما طويتم، ولو قدرتم ما عفيتم ولا عفّيتم، ولا نقلّدكم بذلك منّة، بل حكم الإسلام فى البغاة كذلك. وكان جميع ما جرى فى سابق القدم. ومن قبل كونه جرى به القلم

ثمّ لمّا أن رأينا (١٥) أنّ الرعيّة قد تضوّروا بمقامنا فى الشام. لكثرة جيوشنا لمشاركتهم فى الشراب والطعام. ولما حصل فى قلوب الرعيّة من الرعب، عند معاينة جيوشنا التى هى كطبقات السحب. فأردنا (١٧) أن نسكّن روعهم برحيلنا من أرضهم بالنصر والتأييد، والعلوّ والمزيد. وتركنا عندهم من جيشنا من يتونّس بهم، ويعود فى أمرها إليهم، ويحرسهم من التعدّى بعضهم على بعض، بحيث إنّكم {ضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ} (٢٠)


(٨) قارن السورة ٣٤ الآية ١٩
(٩) السورة ١٦ الآية ١١٢
(١٥) رأينا: رينا
(١٧) فأردنا: فادنا
(٢٠) السورة ٩ الآية ٢٥ - -عليكم: بكم